يتميز المغرب عن بلدان العالم بطبيعة النسق السياسي الذي يبدو ديموقراطيا من خلال النظرة الخاطفة, و حقوقيا من وجهة نظر الخارجين عن نطاقه, كما أن مقومات الممارسة الفعلية للسياسة لا تنكشف بسهولة خاصة إذا كان الملاحظ خارج الدائرة السياسية الحقيقية و غائبا عن تصور سيناريوهات المعيش اليومي للمواطن البسيط.
هو حقل نسجت فيه حبال إشراك الشعب في الحكم و أُطلق العنان لكلمة الديموقراطية لتسود البلاد شرقا و غربا و شمالا و جنوبا, علما أن ما نراه في حقيقة الأمر بعيد عن هذه الكلمة, فكأننا نعلن شعارا رقراقا لنسود بخطة عكسية تجعل منه مجرد لبنة لبناء الإرادة الإنفرادية بالحكم و إعلان الحرب على كل من طالب بدمقرطة المؤسسات و اتخاذ القرارات.
و لتوضيح الصورة أكثر و إبراز المفهوم الحقيقي للحقل السياسي ببلادنا لابد من تعريف العوامل المرتبطة به و كيفية التأثير داخل المجتمع و أي وسائل يتم إستخدامها لتمييع السياسة و إستغلال المواقف السياسية و المواقع السلطوية.
-1 الأحزاب السياسية و دورها في إخفاء الحقيقة المرة:
تلعب الأحزاب السياسية المغربية دورا هاما في إخفاء معالم السلطة السياسية و الإدارة الوصية الحقيقية و الفاعل السلطوي الذي تستمد منه الأحزاب الشرعية الفعلية الميدانية و ليست الحقيقية, فبخلاف التوجهات الفكرية و التيارات الإيديولوجية و المزاعم المذهبية و الطائفية أحيانا التي تميز تنوع الأحزاب المغربية, نجدها تمارس السياسة المحبوكة داخل إطار مُتبنى سلفا و بأسلوب تنكري ماكر لإخفاء الفاعل السياسي الحقيقي و الظهور بحلة المؤثر و المقرر.
هذه الأحزاب ذات الشرعية الدستورية تمارس السياسة في ظل إطار إيديولوجي و توجه مخالف تماما لتوجهاتها في بعض الأحيان, كما أنها تبجل التيار المخالف في خطاباتها و تثني عليه في كل خرجاتها الإعلامية مع العلم أن برامجها الإنتخابية المرسومة على القراطيس تضرب تلك الخطابات بعرض الحائط و تسود باسم التوجهات اليسارية.
فعندما نجد زعيما لحزب سياسي يساري يتبنى فكرا مغايرا لإمارة المؤمنين ثم نجد نفس الزعيم يرافق أو يترأس الوفد الحاج إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج, حينها نكتشف أحد القطع الخفية من زجاج التكوين السياسي بالبلاد لنخلص أن طبيعة النسق السياسي يقتضي بخلق مظاهر الديموقراطية قصد إيهام المواطنين بدمقرطة العمل السياسي, و الفعل الحزبي على وجه الخصوص, ثم إن هذا الفعل المظهري يكشف النقاب عن نفاق سياسي يتجلى في الظهور بغير ما يضمر, كما فعل ذات الزعيم الذي يعلن و يظهر بزي اليساري الذي يتبنى فكرا إصلاحيا ديموقراطيا, في حين أنه يضمر ولاء مخفيا للمؤسسة الملكية و إمارة المؤمنين.
أما الحديث عن أحزاب اليمين فيطول و لن نجد أي دور حقيقي منوط بهم سواء في خدمة المواطن أم في إستصدار القوانين أو القرارات مهما كبرا أو صغرت, فعمل هذا النوع من الأحزاب غالبا ما يكون مرتبطا أساسا بالمؤسسة الفاعلة إرتباطا وثيقا, فيكون لسانها الذي تتكلم به و رجلها التي تسير بها و يدها التي تبطش بها, غير أن المهمة الحقيقية التي تتقنها هذه الثلة هي التبني الحقيقي لأخطاء المؤسسة الملكية دون كلل أو ملل في حين تنسب لذات المؤسسة كل قرار حكيم حتى و إن غابت حين إتخاذه.
على العموم فإن الأحزاب السياسية بالمغرب متناقضة مع جوهر شعاراتها و متفاعلة إلى حد كبير مع إضماراتها, خاصة إذا تعلق الأمر بالمؤسسة التي تعتبر الآمر الوحيد بالبلاد, و تجعل من كل الكتل الحزبية صورة لشروط الديموقراطية و قناعا لإخفاء ملامح الوجه الحقيقي للنسق السياسي بالبلاد.
-2 البرلمان و تأثيره:
تحت قبة البرلمان تلعب مسرحيات لإيهام المواطن المغربي بدمقرطة السياسة بالبلاد في حين أن الواقع الملموس يجيب بالعكس تماما, و قد سبق أن شاهدنا الحاكمين المفترضين الآن, في ذات المكان و رأينا كيف كانت الكلمة تخرج من أفواههم و شاهدنا صرخاتهم حتى جفت الأفواه و جرحت الحناجر, و كانوا صارمين في كل المواقف و الأحداث قولا و صراخا, فلما أُعطوا فرصة الترجمة الميدانية لأقوالهم, ترجموا الأقوال و الأفعال معا حتى إختلطت عليهم الأمور و صاروا يطلقون أسماء مبهمة على الفاسدين و المفسدين الذين كانوا حتى أمد قريب يعرفونهم كما يعرفون أبناءهم.
تماسيح ثم عفاريت و بعدها عفا الله عما سلف, أما قبلها فكانت التماسيح مفسدين و العفاريت فاسدين و أصبح العفو حليفهم, سيناريو لخطة محبوكة سلفا غاية أبطالها تضييق الخناق على المواطن البسيط من أجل كبح جماح نفسه و الكف عن النقد و الإنتقاد.
و الحقيقة أن العفاريت و التماسيح لا تزال تقتات من المال العام, دون أي محاسبة أو نهي من أي مسؤول و ذلك معلوم و لا يحتاج إلى إسهاب في طرحه و بسطه, و لكن المجهول هو أن يأتي سياسي ما و يطالب بإشراك الشباب في الممارسة السياسية للبلاد, و نحن على علم أن السياسة المغربية إنما تدار رحاها من خلال الكواليس حيث تسعى العفاريت و التماسيح للحفاظ على مصالحها الشخصية على حساب الطبقة الكادحة, ولم و لن تكون يوما أداة للإصلاح بقدر ما ستكون آلة للإسترزاق و المحافظة على المآرب الشخصية لها.
هذه العفاريت عملت و لا تزال تعمل على بلورة تصوراتها الخاصة من خلال تمثيل سياسي يشخصه الحزب الحاكم بمعية الأحزاب المتحالفة, و يبقى المواطن العادي في متابعة مسرحيات برلمانية تُبث على أمواج الإذاعة و التلفزة دون أي تحرك واقعي, و إن كان قليلا, فلا تُغير متغيِّرا و تثبت ثابتا
دفع البلاد للأمام و إصلاح المؤسسات هذا شعارهم, لكنه غير كامل و لابد من إضافة الشطر الثاني لهذا الشعار حتى تكتمل الصورة و يزول الغموض, فتصبح الجملة دفع البلاد للأمام و إصلاح المؤسسات على حساب المقهورين, فكأن لسان الحال يقول سنصلح ما أفسده الآخرون, لكن لابد من تأدية ثمن الإصلاح, لأن المالك للشيء هو من يدفع ثمنه, و بذلك نكتشف الشطر الآخر من زجاج الحقل السياسي لنستكمل طريق البحث لوضوح الرؤية, حيث أن الحكومة توجه الرسالة للمواطن و تعلمه أنه هو المستفيد الوحيد من الإصلاح فإن أردت ذلك فادفع ثمنه و إن رفضت فإنك الخاسر الوحيد.
فبعد أن جرب المغاربة أحزاب اليسار و اليمين على مدى عقود منذ الإستقلال إلى الآن اكتشفوا أن لا جدوى في الممارسة السياسية إن صح التعبير لأننا لا نملك أحزاب اليسار إطلاقا و إنما وجودها شكلي فقط لدحض المزاعم الطاعنة في حقيقة تكوين التوجه اليساري بالبلاد , فتيقن المغاربة أن السلطة الفعلية هي من تسير البلاد و تقودها في إتجاهات تخدم مصالحها الشخصية بالدرجة الأولى,
أمامسرح البرلمان فقد كشف الستار عنه و أزيل عنه غبار الجهل به و أضحى واضحا للعيان, فلسنا بحاجة لممثلين, يتاجرون بمعاناة الشعب و يستغلون أحلك ظروف الفقراء لتمرير قوانينهم المقيتة.
عذراً التعليقات مغلقة