ناهد محمدي
ربما هي محض صدف ، فمن منا يعلم ما يحدث وراء الستار ، وما يجري في الكواليس ،هي ملاحظات فقط من جمهور تسنت له “الرؤية من الخارج ” ، قد تكون منطقية وعقلانية وقد تكون وليدة تلك “العاطفة ” الي تخلق بمجرد التعرف على رفيق جديد في درب النضال والكفاح من أجل العيش الكريم في وطن لا يعترف حتى بحق “الحياة ” فما بالك بالعيش الكريم .
بطل المسرحية الأولى شاب في مقتبل العمر اختير له من بين الاسماء “مُراد”، “مُراد البناي الحراق “، طالب بالسنة الثانية ماستر شعبة المعلوماتيات بالمدرسة العليا للأستاتذة بمرتيل ، مناضل بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، وناشط بحركة عشرين فبراير ، شاب طموح عانى الأمرين بغية الوصول لبر الأمان ، بعدما أدارت له الدنيا ظهرها تاركة اياه غارقا في وحل الفقر والحاجة خصوصا حين تم حرمانه من “درهمَي” المنحة ومن الحي الجامعي ، طموحه هذا كان يظهر جليا في حصوله على المراكز الاولى دائما في دراسته رغم الظروف المزرية التي كان يعيشها .
“مُراد ” الشاب الذي قيل أنه انتحر كان يردد دائما :” لقد سئمت الممات أريد أن أحيا” ، فهل يعقل أن انسانا سئم الممات و ظلمة القبر ويريد أن يرى نور الحياة ويتمتع بها أن يضع هو نفسه وبارادته وكامل قواه العقلية حدا لحياته ؟
لا يعقل ، أو ربما يُعقل ، فكل شيء محتمل ، ولا شيء يدعو للغرابة في انتحار شاب خانته الحياة وخذله وطنه .. شيء واحد فقط يمكن أن يدعو للاستغراب هو موازاة وقت وفاته باعلانه عن تلقي تهديدات من أطراف مجهولة كما نشر في صفحته على الفايسبوك “: ” أنا مراد البناي الحراق الحامل للبطاقة الوطنية رقم LB152599 سيتم قتلي إنها مسألة وقت فقط لقد تمت الموافقة على قتلي إسمي مراد البناي الحراق ” .. “مُراد” دفن قبل أن تحال جثته للتشريح رغم أن الوفاة لم تكن طبيعية ، وكتب في تقرير وفاته أنها حادثة سير ، دون شاهد عيان لحادثة السير ، ولم يعثر على من قام بها لحد الان، ولم تقم جمعية حقوقية اوتنظيم من هذا القبيل بتتبع ملفه، بل حتى عائلته لم نسمع عنها خبرا منذ أن نشر أخوه بيانا وكذبه صباح غد لاسباب مجهولة .. كانت هذه هي النهاية المأساوية لبطل المسرحية الأولى” مُراد”.
على غرار المسرحية الأولى حُبكت أحداث المسرحة الثانية ، مع تغير طفيف في الزمكان ، هذه المرة من مراكش ، “أحمد بنعمار” مناضل في صفوف حاملي الشهادات العليا المعطلين ويناضل من اجل حقه في الماستر وناشط بحركة عشرين فبراير ومناضل بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب وعضو بالجمعية المغربية لحقوق الانسان ، هو أيضا شاب في ريعان شبابه محب للحياة ، حالم بغد أفضل ، تجمعه علاقات انسانية طيبة مع كل من يعرف ، يشهد له اصدقاؤه بحسن الاخلاق والمعاملة ، وبحب الوطن ، وبتشبثه بمبادئه ، وايمانه بالقضية ،ودفاعه المستميت عن المظلومين والمضطهدين في كل ربوع الوطن ..
عثرت جثته على قارعة الطريق وهي تحمل اثار ضربات قاتلة على مستوى الرأس يوم الاثنين على الساعة الثالثة ليلا بشارع محمد السادس ، تقرير وفاته أيضا -ويا لها من صدفة- يقول أنه توفي اثر تعرضه لحادثة سير ، و تقول الشرطة القضائية أنها بصدد البحث عن الشهود المفترضين الذين عاينو حادثة السير ،و أظنكم أيضا تتساءلون هنا ساخرين ، في غياب الشهود ،هل الفقيد هو من قام وقال للشرطة أن سيارة دهسته ؟؟ الشارع الذي عثر فيه على الجثة شارع معروف في مراكش ب”أمنه “، حيث أن الكاميرات مثبتة بكل ربوعه ،قس على ذلك وجود سيارات الأمن 24/24ساعة، أي أن صرخة واحدة من الضحية بامكانها ايقاظ المسؤولين عن الأمن بتلك المنطقة ،وان افترضنا أن حنجرته هي ايضا خذلته في لحظات حياته الاخيرة فصوت فرامل سيارة متهورة سرعتها تودي بحياة من في طريقها ، قادر على ايقاظهم.. والله أعلم .
22 فبراير بالقرب من Marrakesh ، كما تظهر لنا صفحة الفقيد “أحمد بنعمار”، يقول:
“اليوم تعرضت لمضايقات من طرف اربعة عناصر على متن دراجتين ناريتين من نوع ياماها 3 في حي اسيف س …لانني وفي خطوة متهورة اشهرت منشور وقفة الغد ووزعته في المقهى التي اداوم عليها …هيهات فغدا نكون او لا نكون …مرحبا بالاعتقال والاستشهاد فدلك تاج لا يعرفه الا المناضلون والمناضلات والتاريخ طبعا”..لم يمض على هذا التاريخ سوى 10 أيام وتوفي “أحمد بنعمار” .
نهاية المسرحية الأولى هي ذاتها نهاية الثانية.. نهايات مأساوية لأبطال كانوا على أتم الاستعداد للتضحية بربيع شبابهم من أجل “الربيع المغربي” ..
هي ربما “محض صدف” ، أو ربما “اغتيالات محضة” .
عذراً التعليقات مغلقة