لا تتوّقف مآسي الهجرة السرية عبر البحر في مصرع الآلاف غرقا وهم يحاولون الوصول إلى التراب الأوروبي، بل كذلك في عدم التأكد من مصير الكثير ممّن اعتبروا في عداد المفقودين، ممّا يفاقم من آلام أسرهم التي تقضي أيامها في الترقب، إذ لم تتوصل بجثث أبنائها ولم تتأكد من حقيقة وفاتهم، ممّا يجعلها تعيش بين أمل ضئيل للغاية في نجاتهم وبين التسليم برحيلهم.
ومن هذه العائلات، توجد أزيد من 36 عائلة مغربية فقدت أبناءها في غرق قارب كان يحمل ما يزيد عن 650 مرشحا للهجرة السرية في مياه البحر الأبيض المتوسط يوم الأربعاء 25 ماي 2016، إذ أنقذت البحرية الإيطالية ما يقارب 540 شخصًا، وانتشلت حينها خمس جثت، بينما اعتبرت البقية، أي حوالي 105 أشخاص، في عداد المفقودين.
ومنذ ذلك التاريخ، والأسر المغربية المعنية تطرق الأبواب للتأكد من مصير أبنائها دون أن تتوصل بالأجوبة الشافية، إذ لم ترد أسماؤهم في قوائم الناجين، كما استمر البحر في لفظ جثت الغرقى، إلّا أنها تحللت وأضحى صعبا التعرّف عليها، كما زاد من صعوبة الأمر أن الأسبوع الذي غرق القارب، عرف حوادث أخرى من هذا القبيل، ممّا حوّل مياه المتوسط إلى مقبرة جماعية تحتضن الكثير من الجثت.
والتقى المفقودون المغاربة في هذا القارب بعد تجمعهم في صبراتة الليبية، وتلقت بعض الأسر اتصالات من أبنائهم يؤكدون فيها أن القارب على وشك الإقلاع ليلة 24 من ماي. وبعد ساعات انتشر خبر غرق القارب في وسائل الإعلام، و تلقت إحدى الأسر اتصالا من ناجية أخبرتهم أن القارب غرق بالفعل، تخبرنا محجوبة، شقيقة أحد المفقودين.
وتتابع محجوبة، وهي من مدينة بني ملال، أن هناك أكثر من 36 مفقودا، وأن اللائحة اقتصرت على 36 اسما من عدة مناطق مغربية بما أن بعض الأسر لم تسجل أسماء أبنائها، قبل أن تنتقد البحرية الإيطالية وتتحدث عن أنه كان بوسعها إنقاذ المزيد، معتمدة على صور غرق القارب التي التقطها أفراد من البحرية.
وسبق دياكومو فلافيو، الناطق الرسمي باسم المنظمة العالمية للهجرة أن أكد أن غالبية ركاب هذا القارب مغاربة الجنسية إلى جانب جنسيات أخرى، مشيرًا إلى أنه من غير العادي أن يكون مغاربة كثر على قوارب الهجرة السرية، مقارنة بجنسيات أخرى هي من تكون الأكثر عادة انطلاقا من ليبيا.
وتظاهرت الأسر أكثر من مرة، منها واحدة أمام البرلمان، واتصلوا بمصالح الخارجية في العاصمة الرباط دون نتيجة، كما اتصل أفراد من عائلات المفقودين بالسلطات الإيطالية، إلّا أن المسؤولين هناك أكدوا لهم الصعوبة البالغة في التعرّف على جثت متحللة لفظها البحر منذ توقيت غرق القارب، ويَظهر أن تحليل الحمض النووي هو الحلّ الوحيد لتحديد هويات الجثت، إلّا أن الأسر لم تجد أيّ مساعدة بهذا الصدد، تؤكد محجوبة.
“شخصيا.. أتوقف أن يكون غالبية المفقودين قد توفوا غرقا. لكن بعض الأمهات يرفضن الإقرار بذلك ويتمسكن بالأمل الضئيل، خاصة وأن أحد المفقودين، وبعدما ظنت أسرته أنه توفي غرقا بعد تلقيها رسالة من صديق له يخبرها ذلك، اتصل بأسرته بعد مرور ستة أشهر على غرق القارب، وأخبرهم أنه كان معتقلا طوال هذه المدة في سجن”، تقول محجوبة.
ولحد اللحظة، تستمر أسر الضحايا في تعميم لائحة “36 مفقودا” على المصالح المغربية-الإيطالية أملا في أن تقدم السلطات مجهودا أكبر لأجل الوصول إلى الحقيقة والتأكد من جثت أبنائهم إن توفوا حقا، ويزيد من هول الألم كون المفقودين شباب في ربيع العمر، غالبيتهم تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة.
عذراً التعليقات مغلقة