تتحدث اطراف حزبية مؤخرا بتافراوت عن حملة افتراضية على موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك للمطالبة بانجاز مستشفى بتافراوت ورغم أن هذه الحملة التي يتحدث عنها اصحابها لا تكلف أي عناء او جهد او نزول الى الشارع او مواجهة مع قوات الأمن ، الا انها لم تلقى تفاعلا مع ساكنة تافراوت و شبابها الناشط على صفحات التواصل الاجتماعي ، بل بالعكس من ذلك اثارت ردود فعل ساخرة و أخرى منددة الشىء الذي يزيد من عمق و اتساع الفجوة بين الشباب و العمل السياسي الحزبي بصفة عامة .
سنحاول من خلال هذه القراءة التقاط بعض الأحداث و المواقف المرتبطة بالموضوع و رصد مختلف ردود الفعل في الساحة و محاولة تفسيرها و التعليق عليها مساهمة منا في خلق إمكانيات اكبر لفهم ما جرى و يجري في محيطنا المحلي ،
اصل الحكاية :
مطلب إحداث مستشفى محلي بتافراوت مطلب قديم ، ظل في صدارة المطالب الملحة وعلى رأس أولويات الساكنة المحلية منذ عشرات السنين ، و عبرت عنه مختلف تشكيلات و شرائح المجتمع بشتى الوسائل : رسائل مطلبية إلى السلطات المحلية و الإقليمية ، بيانات ، وقفات احتجاجية أمام المركز الصحي المحلي ، اثارة الموضوع في عدة مناسبات ، لقاءات مع المنتخبين و المسؤولين عن القطاع … الخ
المجتمع المدني مارس دوره الضاغط ، و قامت جمعية اسافارن بدور كبير في سبيل حل نهائي لمشكل الصحة بتافراوت ، كما ظل هذا المشكل مصدر احراج دائم للمنتخبين امام الساكنة ، لذا كان من الضروري على جميع الأطراف توحيد الجهود و الإصغاء إلى نبض الشارع و القيام بما يلزم لانتزاع هذا المطلب المشروع الذي طال أمده ، فراسل رؤساء الجماعات وزارة الصحة و نظم لقاء ضم منتخبين محليين و اقليميين بوزير الصحة السابق ، و طرح سؤال برلماني في الموضوع ، دون اغفال الدور الحيوي الذي اضلعت به السلطات المحلية و الإقليمية في نفس الشان.
و مع أواخر سنة 2017 استبشرت الساكنة بخبر مفاده ان وزارة الصحة وافقت مبدئيا على إحداث المستشفى لأسباب موضوعية ( و هذا في حد ذاته مكسب مهم ) بل اكثر من ذلك خصصت له ( اعتمادات مالية مهمة ) في ميزانية 2018 قدرت بحوالي بثلاثة ملايير سنتيم ، فيما ستساهم جمعية اسافارن بمبلغ مالي مهم ، و الجماعة الحضرية لتافراوت بالوعاء العقاري الذي سيحتضن المشروع .
بعدها ظلت الساكنة تنتظر على احر من الجمر انزال المشروع على ارض الواقع بتوسيع المركز الصحي الحالي او اضافة طابق علوي حسب ماهو متداول في ظل تعتيم مطبق حول الموضوع و غياب أي توضيح رسمي مسؤول للراي العام حول مصير الملف تناسلت بين الناس أخبار متضاربة حوله بين قائل بان المطلب رفض من أساسه و آخرون يعتبرون انجازه مسالة وقت فقط و بين قائل بان وزارة الصحة تشترط ضرورة توفر عقار ملائم بمواصفات محددة ، و اخرون يؤكدون على بناء طابق علوي
و بتاريخ العاشر من شتنبر من هذه السنة ، صادق المجلس الإقليمي لتيزنيت بالإجماع في دورته على طلب استخراج قطعة ارضية تبلغ مساحتها ما يقارب اربع هكتارات من الملك الغابوي لإحداث المستشفى المحلي لتافراوت ، بتنسيق و تعاون لا مشروط مع المدير الإقليمي للمياه و الغابات و محاربة التصحر . و لأول مرة يتضح رسميا للعموم ، سبب تأخر إخراج هذا المشروع للوجود ، اذ صرح رئيس المجلس الاقليمي للمنابر الإعلامية بان إمكانية توسعة المستشفى الحالي مستحيلة أمام اشتراط وزارة الصحة لعقار يعادل مساحته اربع هكتارات .
المجلس الإقليمي الذي أدرج هذه النقطة ضمن جدول أعماله، و صوت عليها مشكورا اباجماع مكوناته الحزبية ، قام بالواجب ، و لعب دورا مكملا لما راكمته عدة اطراف اخرى لحل مشكل الصحة بتافراوت منذ سنوات .
الآن ، و قد اصبح المشكل في طريقه الى الحل ، و قطع كل هذه الأشواط و المراحل ، بتظافر الجهود كل من موقعه ، خرجت اصوات تدعو الى اطلاق حملة على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك للمطالبة باحداث مستشفى بتافراوت .
مبادرة متاخرة و مثيرة للسخرية و الاستغراب ، لكنها كذلك تثير الكثير من التساؤلات حول السياق و المرامي و الاهداف .
حملة مفتعلة :
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي محليا رسائل نصية صادرة من أشخاص محسوبين على حزب معروف ، موجهة إلى ساكنة تافراوت تدعوهم فيها للانخراط في حملة فايسبوكية للمطالبة بإنشاء مستشفى محلي بتافراوت .
العديد من متلقي هذه الرسائل ،استغربوا لمضمونها ، و تساءلوا حول جديتها و أهدافها المبطنة ، و توقيتها المتأخر ، و تزامنها مع قرار المجلس الإقليمي في اجتماعه الأخير ، كما شككوا في جديتها ، خاصة و أن مطلب المستشفى قد وجد طريقه الى الحل ، و اعتبروها حملة انتخابية مبكرة . وخرج آخرون يدافعون عن الفكرة من منطلق ” حقي كذلك في النضال ” ، بينما نصب آخرون أنفسهم قادة مفترضين للحملة المنتظرة .
و إذا كان كل الذين يروجون حاليا لهذه الحملة محسوبون على الحزب المعلوم ، فان توظيف إحدى الاتحادات الجمعوية للقيام بنفس الدور، و تفاعله بحماس زائد و بسرعة البرق و على غير العادة ، مع ” حملة فايسبوكية يقودها شباب ” ، يطرح علامات تعجب و استفهام كبرى ، خاصة فيما تعلق بمصيره وهو يسقط في مستنقع السياسة .
الإعلام في خدمة الحملة
بينما لازالت الرسائل النصية في طريقا إلى المتلقين ، حرر إعلامي فائز مؤخرا “بجائزة مهرجان تيفاوين للصحافة ” على عجل ، مادة خبرية عديمة المصداقية ، و وزعها على بعض المواقع الالكترونية تحدث فيها عن حملة كاسحة و هي لازالت في مخيلة أصحابها ، قائلا بان” ناشطون شباب يطالبون الدولة المغربية ببناء مستشفى بتافراوت ” ، و كشف من خلال هذه المادة عن أسماء الزعماء المعينين لقيادة هذه المبادرة ، و الإطار الذي وقع عليه الاختيار لاحتضانها و تاطير المنخرطين فيها ، كما تحدث بعدها عما يجب على السكان بعد ذلك فعله: ( رفع مطالب أخرى جمع التوقيعات ) …
الصحفي المتوج من خلال مقالته ، كشف في الحقيقة عن خطة العمل، و وضح الأدوار التي ينبغي على كل طرف القيام بها ، و الزي الحقوقي الذي يجب أن تتخذه ، و لم يقم بطلب رأي السكان و النشطاء المدنيين المعنيين بالموضوع ، و لا قام باستطلاع مختلف الآراء حوله .
ردود الفعل المختلفة :
في هذا الإطار قال الإعلامي و الجمعوي محمد القاسمي ، ” منذ سنوات طالبنا بإحداث مستشفى تافراوت ، و قمنا بحملات لم يتفاعل معها أصحاب الحملة الجديدة ، و لم يتصل بنا احد منهم آنذاك ” . و أضاف أن ” اليوم لن نقبل أن نشارك في مسرحية هزلية أخرى ، هذا لا يعني أننا نحتكر النضال أو المطالبة بالحقوق “.
و وصف الناشط الجمعوي خالد الشقيري ، أصحاب هذه “المبادرة” ب ” مجرد كومبارس ، يتلقون التعليمات من كبيرهم للركوب سياسيا على مطالب ساكنة أدرار، بعدما انتهى مسلسل المهرجانات المشئومة ” . و شبه المناضل الاتحادي و عضو جماعة تيزنيت ، الدكتور نوح أعراب ، ما يقع في تافراوت بعد مقرر المجلس الإقليمي الأخير ، ب ” من يسرق منك رغيفك ثم يعطيك كسرة منه ، ثم يأمرك أن تشكره على كرمه ” ، في إشارة إلى أن البقعة الأرضية المذكورة هي بالأساس ملك للساكنة ، و ما ينجزه المسؤولون المنتخبون يدخل في صميم مهامهم الواجبة بحكم القانون من جهة ثانية .
و في رد له على المشككين في جدية و أهداف “الحملة” ، دافع عنها السيد رئيس المجلس الإقليمي لتيزنيت ، بطريقته المعهودة ، و أسلوبه المعقد في تدوينة عنونها ب ” فرانشيز النضال و مونوبول الشرعية” ، ( و يا ليته كتبها بالآمازيغية حتى تتم العملية التواصلية بسلاسة مع قاعدته الانتخابية ) ، اعتبر فيها ضمنيا أن من حق حزبه كذلك أن يطالب و يترافع عن قضايا المنطقة بطريقته الخاصة . حق مشروع لكنه لا يختلف عن مشاركة وزراء من الحزب “الحاكم” في مسيرة فاتح ماي الماضية ، رافعين مطالب اجتماعية و سياسية جنبا الى جنب مع الطبقة العمالية ، فاختلط الحاكم بالمحكوم و المحتج ؟ و من المحتج عليه …
أمام كل هذا اللغط ، لم يجد الدكتور أدنى حرج في إعلان فرع منظمته الحقوقية صاحبة المبادرة ، و” ان القضية قضية حقوقية ” – و الإطار المذكور أسس مؤخرا من طرف شبيبة حزبية و لم يسبق له أن عبر عن موقف او قاد مبادرة إزاء قضية من قضايا حقوق الإنسان بتافراوت ، اللهم إن كان قائدها يعتبر مشاركته في مهرجان تيفاوين ، و دفاعه المستميت عنه ، قضية من قضايا حقوق الإنسان .
اتحاد الجمعيات التنموية لأملن ، كتب طلبا على الفايسبوك للسيد وزير الصحة موقع من طرف رئيس الاتحاد، أثار استغراب الكثيرين ، و خلف ردود فعل منتقدة من طرف بعض أبناء أملن ، آخذين عليه ” تجاهله لوسائل التواصل الرسمية ، عبر القنوات و المراكز الإدارية “، و اعتبروه “عبثا ، خاصة و أن للاتحاد صفة رسمية للترافع عن هموم و مشاكل المنطقة ” و حذروا من ” السقوط في تسييس الوضع ” . و اعتبر متتبعون آخرون تدوينة الاتحاد ، بانها ” متأخرة ” في وقت تنتظر فيه الساكنة تحركا واقعيا .
رد الاتحاد جاء ببيان مشحون ، يبدو من خلال سرعته و مضامينه البعيدة عن موضوع الخلاف ، أن الاتحاد أو على الأقل من يتحدث باسمه كان مستعدا لخوض حرب خاسرة ، و يتضح أن محرر البيان “متعدد الصفات” ، حتى نسي انه يكتب باسم اتحاد جمعيات محترمة ، لا تشاركه بالضرورة أهوائه ، و ليس باسم “جمعية المهرجان”، او باسم “السياسي الماسك بزمام الأمور بوادي املن” ، و دس كلمات مسمومة في متن البيان ، اغلب الظن ان اعضاء المكتب المسير لاتحاد الجمعيات لم يطلعوا عليه قبل نشره ، و لم يشاركوا في صياغة مضامينه الطافحة بلغة الحقد و تصفية حسابات لا علاقة للاتحاد بها ، ما يهدده بالعودة إلى نقطة الصفر ، و هو الخارج لتوه جريحا من حروب السياسة ، إن لم يتحرك حكماؤه لإنقاذ الموقف ، حتى لا يتركوه لعبة أو وسيلة في يد البعض ، للوصول إلى أهداف لم تعد تخف على احد.
الاهداف و الوسائل :
يعتقد بعض من اكتوى بحملة ” المقاطعة ” او كان من بين من أشارت إليهم الأصابع في كل حراك اجتماعي انطلق من وسائل التواصل الاجتماعي ، ان هذه الأخيرة أدوات فعالة يمكن ان توظف في اي وقت و لصالح اي جهة لتحقيق اي هدف ، لكنه تقدير خاطئ وصفة غير صالحة لاستعمالها في جميع الحالات . بل اكثر من ذلك يمكن ان تؤدي الى نتائج عكسية لما هو مخطط له .
فصحيح أن لشبكات التواصل الاجتماعي قدرة كبيرة على الحشد و تحريض الشارع ، و الدفع بالأفراد العاديين الى المشاركة في الحراك الاجتماعي و السياسي ، ( افتراضيا او واقعيا ) لكن هناك شروط ضرورية و موضوعية لدفع المواطنين لذلك و إقناعهم به ، و هو ما لا يتوفر ل”حملة المستشفى ” الجديدة .
فكيف لمن ظل بعيدا عن الفعل المطلبي و الاحتجاجي بحكم موقعه و طبيعة علاقاته ، و من كان يمتنع عن اي تحرك قد يعكر صفو علاقته مع مراكز النفوذ ، ان يخرج اليوم ليقرر النضال و التضحية في سبيل مطلب اجتماعي ؟ وهل تم استنفاذ جميع امكانيات المطالبة و البحث عن الحل عبر قنوات الحزبية البرلمانية و الحكومية الممكنة و غيرها للنزول الى العالم الافتراضي ؟ و ماهي القيمة المضافة لهذا التحرك و المقربون من مهندسي الحملة يقرون بأنفسهم ان المطلب في طريقه الى التحقق ؟ و لماذا لم يتم رفع مطلب اكثر ملحاحية وفي حاجة الى تعبئة الجميع اكثر من أي وقت مضى كمطلب التزود بالماء مثلا ؟
الواقع ان السياسي المحرك لخيوط اللعبة عن بعد ، يعرف حق المعرفة حجم تعطش السكان لتحقيق مطلب مستشفى مجهز يوفر خدمات صحية في المستوى ، كما يعي جيدا حجم الدور الذي لعبوه في مسلسل المطالبة به ، و بالتالي فان قرب تحقيق هذا المطلب يمنحه فرصة ذهبية يمكن استغلالها – قبل إعلانه البشرى – لتحقيق عدة أهداف في آن واحد : تعزيز الحضور ، و الاستفراد بالزعامة ، و تحقيق بعض المنافع الحزبية ، و إظهار نفسه بمظهر القوة الفاعلة الوحيدة و ما عداها لاغ و باطل ، واضعا الانتخابات القادمة دائما نصب عينيه ، كما ان الرغبة في إلغاء أي دور للجمعيات المحلية البعيدة عن فلك الحزب و ابقاء اخرى تحت السيطرة و إنكار دور فاعلين آخرين لا تغيب عن ذهن الواقف وراء المبادرة .
و عكس المطلب الآني لحل مشكل الماء الذي تعاني منه المنطقة ، بتزويدها بالماء من اقرب السدود او بمياه البحر ، هذا المطلب الذي يحتاج فعلا لاكثر من حملة افتراضية و واقعية ، و مرافعات و ضغط على جميع المستويات و بمختلف الأشكال ، إلا انه لا يصلح حاليا للتوظيف السياسي و الانتخابي ، لان تحقيقه يتطلب إمكانيات اكبر ، و سنوات تتجاوز ما بعد 2021 .
من ناحية اخرى ، فان تحركات الحزب مؤخرا ، و ضغط انتظار و استقطابه لشباب يائس باحث عن تحسين وضعه الاجتماعي أولا، و ذو تجربة في المجال الجمعوي ، فرضت عليه تجريبه عبر منحه مهمة القيام بهذا الدور السياسي ( الحملة ) لقياس مدى إمكانية تأثيره في الشارع أولا ، و مدى قدرته على لعب ادوار دعائية تعبوية في الانتخابات المقبلة ، شريطة ان يبقى دائما تابعا للزعيم و تحت رقابته ، في الرأي و التعبير، و دون ان تمنح له هوامش كبيرة للتحرك و الفعل ، حتى لا ينافس على الزعامة ، او ان يطرح نفسه كبديل ، او يطمح لكسب مواقع بالتقرب من القيادة الجديدة ، او يزرع بذور ثورة داخلية ضد الأعيان و رموز “الحرس القديم ” ، وان يمحو صورة حزب الدولة المخزني التي ظلت تلاحق الحزب ،
امام كل هذه المعطيات ، فان الحملة المطلبية المخطط لها حول المستشفى لم تلق التفاعل المتوقع من طرف مبدعيها لان الشارع المحلي المستهدف و شبابه الناشط في مواقع التواصل الاجتماعي له من اليقظة و الذكاء و الوعي ، ما جعله يفطن انه غير معني بها و لا باهدافها و له من المناعة ما يقيه من السقوط ضحية خطابات التحنيط و الوصاية ، و ان دوره قام به على احسن وجه بعفوية و قناعة و نبل ، الى جانب فاعلين اخرين كل من موقعه ، ليبقى مستشفى تافراوت ثمرة تكامل و تظافر الجميع دون ان يدعي احد فضله على الاخر .
و بغض النظر عن مشروعية الطموحات السياسية و الفردية ، و الحالة هذه ، فان سؤال المصداقية في القول و العمل لا زال مطروحا كما ان استعمال الوسائل غير الأخلاقية لبلوغ تلك الطموحات لا يمكنه الا ان يساهم في تعميق الفجوة بين الشباب ( و المواطن عامة ) و العمل السياسي الحزبي ، و يزيد من فقدان ثقتهم في الفاعلين السياسيين ، رغم كل مظاهر الدعاية التي تظهر عكس ذلك ، ما يتنافى مرة اخرى مع الرسائل الملكية الموجهة لمختلف الاحزاب السياسية ، منذ خطاب 1999 الى خطاب العرش الأخير .
عذراً التعليقات مغلقة