من بين المفارقات العجيبة في بلدتنا العزيزة تافراوت ان من بيننا مثقفون لا يكاد احد يسمع لهم صوتا في امور الشان العام المحلي الا حينما يتعلق الامر بالدعاية لحزب سياسي او للدفاع عن مهرجان و تصويب سهامهم تجاه من لهم راي اخر .
كتب الاستاذ عبد الله اكرامن تدوينة نشرها على نطاق واسع ، معنونا اياها ب ” نتحمل غضب الطبيعة و ندعو بالشفاء للعقول المريضة “.
مضمون التدوينة استهله بالحديث عن جمال واحة ايت منصور و طبيعتها الخلابة و جوها اللطيف ، قبل ان يتحدث في جملة واحدة عن الخبر الفضيع المتمثل في احتراق الواحة ، و انتقل بعد ذلك الى صلب الموضوع للحديث بإسهاب و بتفصيل عن الأهم بالنسبة اليه ، و هو ما اسماه (الأصوات المريضة) ، مستعملا قاموسا لغويا و أوصافا طافحة بالتجريح و القدح لنعت من سماه ب (الأصوات المريضة .) .
من عنوان التدوينة ، فغضب الطبيعة : مثل إعصار كاترينا ، و زلزلزال اليابان ، و بركان اتنا، و تسونامي سومطرة ، كقوى قاهرة تفوق إمكانيات الدول ، يقصد به هنا حريق واحة ايت منصور.
أما (العقول المريضة) التي تثير غضبه و يدعو لها في نفس الوقت بالشفاء ، فان كل قصده منها يتمركز حول من قاموا بالتغطية المباشرة بالصوت و الصورة لحدث احتراق الواحة ،و هروب ساكنتها طالبين النجدة ، و حضور السلطة المحلية و الوقاية المدنية بإمكانيات بسيطة ، في الوقت الذي يستمر فيه الغناء و الرقص في ساحة مهرجان تيفاوين ، على ايقاعات : اركم تيريغ باهرا باهرا .
و بطبيعة الحال ، فقد تفاعل رواد الفضاء الأزرق في كل بقاع المغرب مع الخبر الحزين ، و تنوعت و اختلفت ردود أفعالهم ، إلا أن الكل اجمع على فداحة الحدث ، و الأسف لمصير هذا المتنفس الطبيعي الذي يعتبر ملاذا لكل قبائل تافراوت ، خاصة و ان الحريق كان ممكنا التحكم فيه و إخماده بأقل الأضرار ، لو توفر الحد الأدنى من شروط السلامة و الوقاية المفروضة في مثل هذه الحالات.
تزامن حريق ايت منصور مع حدث تنظيم مهرجان ضخم بالبلدة رصدت إليه إمكانيات لوجيستية و مالية هائلة ، يسائلك استاذي الكريم ، يسائل نخبة المثقفين و رجال الفكر و السياسة و المجتمع المدني و القائمين على تدبير الشأن العام محليا اقليميا و جهويا ، عوض توجيه سهام نقدك نحو شباب كله امل و كله حماس و رغبة من اجل التغيير نحو الأفضل رغم اختلاف وجهات النظر.
كان بإمكانك سيدي ان تناقش الأمر من هذه الزاوية ، او من زاوية اخرى اعمق مما كتبته ، و تنيرنا بافكارك و اقتراحاتك في الموضوع عوض اطلاق الاحكام المجانية او مناقشة اراء شاذه لم يسمع بها احد ، او لا ترقى لمستوى تحمل عناء الكتابة عنها .
ماذا كتبت من اجل تحسيس من وصفتهم ب (ذوي العقول المريضة ) او على الاقل من اجل اقناعهم بصواب وجهة نظرك’ و انت الاستاذ و الدكتور !!و الحامل لمشروع سياسي ! و ماذا قدمت لهم في سبيل علاجهم من المرض ! وهل تملك الجرأة في وصف من يتمادى في تعميق معاناة سكان المنطقة بذوي العقول المريضة ! ام ان هذا الوصف لا يليق الا بمن قام بتغطية حريق ايت منصور. (الحائط القصير) .
الظاهر اذن ان المشرفين على المهرجان استفزتهم صور الحريق المبثوثة على مواقع التواصل الاجتماعي ، و لم يرق لهم ان يكتشف العالم بشكل جلي حجم المفارقة التي نعيشها في هذا البلدة ، بل تمنوا لو أجلت الأقدار هذا الحريق الى حين اختتام تظاهرتهم حتى لا يعقد الناس مثل هذه المقارنات : بذخ و مال و رقص و امكانيات مالية كبيرة من جهة ، و فقر و جفاف و انعدام بنيات تحتية و اليات التدخل السريع و مياه الشرب من جهة ثانية ، لكن المؤسف ان يسقط مثقف اخر يصنف ضمن مثقفي اليسار عن وعي او عن غير وعي
، في فخ التطبيل و التزمير للرداءة .
الاستاذ عبد الله اكرامن كان من القلائل الذين يحظون بالمصداقية لدى شباب المنطقة و كان اخر من يمكن ان يتوقع منه مثل هذه الخرجة ، لكن البارعين في التطويع ، و الاستدراج ، يحددون بدقة اهدافهم و يختارون من يدافع عن مشروعهم بمكر ، مشاركا او شاهدا و مشرعنا له ،
استاذنا الكريم ، شباب المنطقة في حاجة الى ان تشاركه وجهة نظرك في اموراخرى بعيدة عن ما يكتب في جدران( الحسابات البئيسة) كما سميتها ، شباب المنطقة في حاجة الى افكار راقية و توجيهات نيرة ، و ليس في حاجة لمن يعمق جراحه باقبح النعوت ،
وصفت من نقل خبر حريق الواحة للعالم بصحافة الخردة ، نطلب رايك سيدي من تلك الصحافة التي تستأجر لتغطية المهرجان في الفنادق الفخمة ، و تتفنن في اختيار العناوين البراقة التي تروق للمنظمين لتضمينها ملفات طلب الدعم و الاحتضان و تتسابق للفوز بجائزة صحافة المهرجان و تنشر صورا و فيديوهات مثيرة لما تعنونه هذه الصحافة ب( تيتيز تافراوت ) .
نطلب رايك سيدي حول قطع مياه الشرب المتعمد عن الدواوير طيلة ايام المهرجان و معاناة الساكنة مع هذا المشكل الذي اصبح قدرا سنويا مقابل تزويد المركز بها ليل نهار لارضاء الضيوف الوافدين و المدعويين بالمناسبة.
نريد رايك سيدي حول رجال الامن الذين استقدموا قسرا لتامين المهرجان تحت حرارة شمس تصل الخمسين درجة نهارا و ما يعانونه ليلا مع المجرمين و يكون مصيرهم العطش و الجوع و المبيت في الداخليات و الخيريات بينما ينعم اخرون بالفنادق .
نطلب رايك سيدي حول ميزانية المهرجان ، حجمها ، مصدرها ،و كيف تصرف ،و حول جمعية المهرجان كيف تسير، و كيف تعقد جموعها العامة، و من له الحق في الانضمام لها، و الحدود الفاصلة بين الفن و الثقافة من جهة ،و الدعاية السياسية من جهة اخرى.
بعدها ، تعال لنناقش دور الثقافة و الفن و الموسيقي في الرقي بالذوق العام و في تنمية الفرد و المجتمع.
الى ذلك الحين ، نحن غاضبون .
عذراً التعليقات مغلقة