لطالما كان شعار الحسن أسالم الابداع والتألق دائما ،شريطة أن تعود إلى سليقتك لتقرأ ما بين ثنايا الخطاب و تموجات ألحان الرباب ،الآلة التي تؤسس لهوية الأمازيغ, ولعل هذا هو السبب الذي لا يجعله يمل من تكرار مقولة مفادها “بقدر آلامك، أمنحك الفرح”.. حين ننظر إلى الخلف لنرى مسارحياته، حياته الفنية المليئة باللحظات المعبرة ، والتي كان يراها ضربا من الجدية أكثر من كونها هزلية.
إحدى هذه المشاهد التي تفنن باحسون فيها نسج سيميائية النص الموسيقي الإبداعية كمتن مقاماتي و كنص لغوي متين لا يفقه خباياه إلا جهابدة لغة أبناء مازيغ حيث تتبلور فيه موسيقى تجعلك عند سماعها تحس أنك حين تضحك بقوة تشعر أن قلبك هويتك و قضيتك يؤلمك.
أي شخص يمكن أن يتحمل هذا الجلد و الصبر أكثر من الحسن أسالم؟ الشخص الذي أخذ على عاتقه بجدية أكبر مما يتصور البعض أمانة الخطاب الموسيقي العاكس للحياة، نعم حياة أهل أدرار أهل تافراوت و سوس .
فالقراءة التي يمكن أن نستشفها من إبداعات إزماز عن سيميائية الجسد الموسيقي و علاقته بالحياة والتي تتجاوز النظر إليه كمجرد محيط نسبح فيه وراء سراب تحقيق اللذة، فمن خلال حضور با حسون في آلة الرباب ندرك أن متاهة الحياة تفرض علينا أن نتكيف معها لكي نغوص في غياهب الضحالة اللغوية و الفنية التي يفرضها تزاوج الصمغ مع الأوثار المعوية.
لكن السؤال هو: هل بإمكاننا كأصحاب آذان تدغدغها الموسيقى التي نشم فيها عبق هويتنا ألا نلوث عبق هذه التحف الفنية بعبثيتنا المصطنعة أو بجنوح أذواقنا نحو الإبداع المجاني و الساقط، وألا نحطم الروح التي تسكن داخلناو التي تبعثها نغمات رباب با حسون الفريد؟
لهذا التغاضي عن هويتنا الموسيقية صمت الحسن أسالم لمدة ليست باليسيرة، فالصمت أحيانا ليس لضعف فيه, حتى لو فسره الآخرون ،فنحن نصمت لأننا نحس أن كل شيء إنتهى ولن يعود , نصمت لأننا نعلم أن الجرح أكبر من الكلام الذي يقال , فما فائدة العزف على آلة الرباب لقلوب صماء لا تستطيع سبر أغوار الموسيقى الراقية، الموسيقى التي تكشف المستور الذي نواريه بحرقة و ألم، نعم تعطلت أذننا التي تتجاوب مع آهاتنا الدفينة التي تتغاضى عن قضيتنا الأم التي غضينا الطرف عنها لا لشيء سوى أننا لانرى سوى نفسها فقط بأنانية تطمح لتحقيق المزيف و سماع المبتذل .
لقد أقسم الحسن أسالم بأن آلة الرباب التي تفنن في صنعها بيديه تحبه ، نعم يوما ما أقسم بأنه لن يتركها، كل ذلك لأنه منها و هي منه، كانت جزءا من كيانه لذلك كانا لا يطيقان فراق بعضهما البعض، لأنها كانت دنياه و عالمه و كل ما يملك.
كان عزفه عليه ضربا من الحلول الذي يتجلى مثل القسم، مثل أداء اليمين لأن عزفه عليها كان نابعا من حمولة التصديق النابع من أعماق الفؤاد.
فقلبه اتجاهها لم يكن عبثا لم يتعامل معها من باب التكسب أو الإيجار اللحظي الذي تتلاشى لذته بعد الانتهاء، لم ينظر إليها كنزوة فنية سطحية عابرة و لا مجرد محطة للاستراحة و الفضفضة ، لأن علاقته بها لم تكن علاقة سطحية فاشلة، بل كان ينظر إليها ككيان لتخليد الحب الممزوج بالصدق الأبدي لذلك حفظ ما تبادله من إحساس مرهف في حصن قلبه المنيع وسط جدرانه العالية و أبوابه المحكمة لكي يحميها من الذين يركبون موجة التطاول على أصالة و عراقة آلة الرباب .
لم تكن علاقة الفنان الحسن أسالم بالموسيقى سطحية ، بل كانت بمثابة لوحة سريالية فكبرياؤه هو سر حبه لها ،و كانت آلة الرباب هي الطريق الوحيد إلى قلبه، لم يكن في يوم من الأيام كتابا مغلقا و لا يما عميقا كما تعودنا على القراءة في المتون القديمة ، بل كان بمثابة السِّفْرِ المفتوح الذي يهوى من يقرأه ، ولكن لا يفهم لغة أنغامه إلا من تعلم أبجدياتها الموسيقية.
الحسن أسالم بمثابة الأب بالنسبة لي و بالنسبة للعديد من الخِلاَّنْ ، إنه صاحب القبضة المتمكنة الممزوجة بالسلاسة صاحب الأسلوب الراقي و البسمة الدافئة و النبرة الهادئة.
أحيانا أمر بحالة من الاختناق الشديد فيعجز قلمي عن ترتيب الحروف و الكلمات ، و تستعصي السياقات على لساني و تبقى الكلمة الوحيدة المعبرة و الحقة في تكريم هذا الهرم هي أن الفنان الحسن أسالم لا يرضى أن يكون فقط خيارا من ضمن خيارات،إنه لا يرضى أن يكون ندا أو شريكا للمتطاولين على الفن الراقي و الأصيل، بل كان الخيار الوحيد ، الخيار الأول و الأخير هذا هو سر تميز الفنان الحسن أسالم و سر تميز إزماز ، وسر رباب با حسون المتميز الذي يكسر جفاء الصمت بأنغامه بلا توقف فنشعر بأنغامه تخترق الصخر بهدوء و تستقر في قلوب كل أمازيغي و تافراوتي حر، فيتحدث الصمت بداخل الأنام و تنطلق العبارات الراقية و الكلمة العذبة بدون صخب لتداعب من خلالها الروح و الجسد و تنعش أفئدة قد أرهقتها الرتابة و أنهكتها خطوب الحياة.
شكرا با حسون على كل شيء.
شكرا للأخ :الحسان اد عبايد الذي زودني بالصورة و لكل أعضاء إزماز و لكل أصدقاء باحسون.
أعتذر إن قصرت في حق هذا الشخص.
بقلم:عبد الرحيم عبادي
عذراً التعليقات مغلقة