لم أكن اعرف أن كلمة التشرميل لها مدلول ومعنى آخر غير الذي نعطيه لها داخل مطبخنا المغربي ، فإذا بي أكتشف مؤخرا أن الكلمة أصبحت مصطلحا ،بمعنى أنه ينطبق عليها ما ينطبق على كافة المصطلحات ،وأصبح لزاما علينا كلما استعملنا هذه الكلمة أن نوضح للقراء و المستمعين دلالاته لغة و اصطلاحا ، كما أن برامج الطبخ كذلك عليها أن تثير انتباه المستمعين والمشاهدين إلى المعنى الحصري المراد حتى لا تفسد الأطباق و يلتبس الأمر على المشاهدين فيشرمل بعضهم البعض ..
نحن محظوظون إذن بعد أن مكننا الإعلام الورقي و الإليكتروني من إكتشاف ظاهرة التشرميل. والحقيقة أننا مدينون في ذلك للمشرملين أنفسهم ، لكونهم إمتلكوا الشجاعة الأدبية وتحرروا من كل العقد وعرفونا على أنشطتهم بعد عرض صورهم على الفايس بوك، واكتشفنا فيها تسريحات شعرهم و أسلحتهم وغنائمهم بل حتى بعض ضحاياهم ودراجاتهم النارية و ألبستهم ، وهذا من حسناتهم جزاهم الله، فقد احتفظت ذاكرتنا ببعض مظاهرهم ، الشيء الذي يمكننا من الإحتياط و الحذر حتى لا نسقط يوما بين أيديهم .
ما نسجله كذلك لهذه الحركة هو كونها حركة شفافة صرحت بكل ما لديها من ممتلكات و غنائم و أسلحة ، عكس ما يفعله المشرملون الكبار في أجهزة الدولة ، الذين يشرملون سرا و لا نعرف عنهم و لا عن غنائمهم شيئا ، وكل ما نعرفه هو أنهم أكلوا كل ما في الصناديق في غفلة عنا وغاصوا في البر و البحرو أخذوا على هواهم دون حسيب و لا رقيب.
شتان ما بين الحركتين إذن .
و إذا كان من الصعب الغوص في موضوع التشرميل السري داخل أجهزة الدولة ، لشح في المعطيات ، بل ولخطورة ما يمكن أن يتعرض له الباحث في بلد يكفر بالشفافية و الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة ، فسنكتفي بالتجريب في التشرميل الظاهر ، التشرميل الذي أعلن عن نفسه كحركة على موقع التواصل الإجتماعي ، يعني تشرميل الشعب.
وحسب ما اطلعت عليه في الصحافة ، فإن هذه الحركة تمارس أنشطتها في بعض النقط السوداء بمدينة الدار البيضاء – وربما مدن أخرى – ، وتنحدر من بعض أحيائها الهامشية وتستهدف ضحاياها في واضحة النهار و أمام الملأ..
هي إذن حركة افرزها الإقصاء والتهميش و أفرزها مجتمع متشبع بقيم الأنانية والاستهلاك الزائف ، مجتمع روضته الليبرالية الجديدة القائمة على العنف المادي و الرمزي و الاستهلاك و الإقصاء ، مجتمع أباح لنفسه كل شيء من أجل الوصول .
لذلك ، فشباب التشرميل بدوره لا يجد أي حرج في اعتراض المارة و سلبهم ما لديهم بالعنف واستعمال السيوف، وما تلك الشجاعة إلا رغبة في التعبير عن الذات و إثبات وجودها ، وتصريحا بوجود هذه الشريحة ردا على سياسة الحيف و الإقصاء ، لكل طريقته في إثبات الذات .
لا نلتمس هنا الأعذار لهذه الشريحة من المواطنين- الشباب – ونشرعن لها كل ما تقوم به ليس الأمر كذلك لأننا نريد العيش في أمن و أمان ، لكن هذه الحركة و ضعتنا أما حقيقتنا كمجتمع و كدولة زائفين و عاريين …
فهل يستقيم الأمر عندما يصاب البعض بالتخمة و لايجد البعض الآخر ما يسد به رمق العيش ؟
هل يستقيم الأمرعندما تنعم شريحة من المفسدين بكل ما لذ و طاب من مسكن و لباس ورغد عيش بينما تعيش الإغلبية الفقيرة في براريك قصديرية لا تقي من لسعة البرد و لا من حر القيض ؟
هل يستقيم الأمر عندما ينعم ابناء الميسورين في مدارس بجودة عالية وبكل مستلزمات التحصيل الدراسي الجيد بينما يكتض أبناء الفقراء على مقاعد خشبية لتلقي تعليم مؤدلج عديم القيمة لا يمكن من مستقبل و لا من حاضر ؟
هل يمكن أن يستقيم سلوك شبابنا في ضل منظومة إعلامية فاسدة تنشر التفاهة و تزيف الوعي ؟
هل يستقيم الأمر عندما ينعم البعض بالعلاجات الضرورية في المصحات الخاصة و يصطف الفقراء في طوابير بالمارستانات العمومية للحصول على حبة أسبرين لتسكين ألم الرأس و الأسنان ….
حقيقة هي ظاهرة مركبة و معقدة يتقاطع فيها العامل الاقتصادي بالاجتماعي و الثقافي و السيكولوجي وحتى السياسي…
لكن ما هو أعقد ، هو التعاطي مع الظاهرة من منظور أمني فقط ، وحصرها في البعد ألجرمي دون الأبعاد الأخرى ….
أعتقد أن الأمر صعب جدا و للغاية، لأن المقاربة الأمنية هي إعلان الحرب، فمن هو العدو ومن هو صاحب الحق ؟
أهو الدولة التي تشرع و تسن قوانين لمحاربة كل ظاهرة تخرج عن نطاق القانون- الذي يسنه القوي ضد الضعيف- ؟ أم هو شباب ظاهرة التشرميل الذي أفرزته سياسات الإقصاء و التهميش و الحرمان التي تسوس بها الدولة المجتمع دون مراعاة توفير شروط الحد الأدنى من الكرامة والإنسانية للفئات المسحوقة .
القضية إذن في جوهرها سياسية، تتعلق بالحسم في مسألة الدولة التي نريد، أهي دولة الاستبداد و الظلم أم دولة الكرامة و المواطنة و العدالة الاجتماعية.
فهل من مقاربة أخرى غير مقاربة الكذب والنفاق و الدعاية وصناعة النخب المزيفة و تزوير الانتخابات وتعطيل إرادة المواطنين في التغيير ، التغيير الحقيقي الذي يعيد الوطن إلى أهله .
…………………………….نحن ننتظر……………………………………..
عذراً التعليقات مغلقة