رداً على تصريحات وصفها بـ”المهينة والعدائية” من قبل وزير الخارجية الجزائري ، أصدرت البعثة الدائمة لجمهورية مالي لدى الأمم المتحدة بياناً مطولاً بعنوان حق الرد على الجزائر .
أكدت مالي أن لجوءها إلى حق الرد ليس من عادتها، لكنها اضطرت لذلك بعد “الافتراءات والهجمات الشخصية” التي أطلقها وزير الخارجية الجزائري. وشددت على أن الوفد المالي، احتراماً لهيبة الأمم المتحدة، لن ينزل إلى مستوى “الشتائم”، بل سيكتفي بعرض الحقائق لتصحيح ما اعتبرته أكاذيب.
ذكّرت مالي بخطاب رئيس وزرائها عبد الله ميغا يوم 26 سبتمبر 2025 أمام الجمعية العامة، الذي أشار فيه إلى أن التوترات بين البلدين نابعة أساساً من “تدخلات غير مقبولة من النظام الجزائري في الشأن الداخلي لمالي”. وأكدت أن الشعب المالي قرر أن يمسك بزمام مصيره ويقود بنفسه مسار السلام والمصالحة دون أي وصاية خارجية.
البيان المالي خصص حيزاً واسعاً لحادثة إسقاط طائرة مسيّرة تابعة للقوات المسلحة المالية ليلة 31 مارس – 1 أبريل 2025.
الجزائر أعلنت أن الطائرة انتهكت أجواءها وأسقطت على بعد كيلومترين داخل الحدود. غير أن مالي طلبت أدلة تقنية تثبت هذه الرواية، ولم تتلق رداً بعد مرور أكثر من 72 ساعة.
مالي أجرت تحقيقات مستقلة ونشرت نتائجها يوم 6 أبريل 2025، مؤكدة أن الطائرة أُسقطت داخل أراضيها في عملية “متعمدة وعدائية”.
واستندت في ذلك إلى بيانات مسار الطائرة المسجلة في النظام الجوي، وإلى العثور على حطامها على بعد 9.5 كيلومترات داخل الحدود المالية، وهو ما يتناقض كلياً مع الرواية الجزائرية.
وأوضح البيان أن القوانين الفيزيائية تجعل من المستحيل أن يسقط جسم جوي على بعد 22 كيلومتراً من موقع إسقاطه المزعوم.
البيان المالي اعتبر أن الهدف من إسقاط الطائرة هو منع الجيش المالي من تحييد قادة جماعات إرهابية تحظى بحماية جزائرية. وجاء فيه أن “هذا السلوك يمثل أول حادث عدائي بهذا الحجم في تاريخ العلاقات بين البلدين ويؤكد تواطؤ الجزائر مع الإرهاب الدولي”.
أعلنت مالي أنها رفعت دعوى رسمية ضد الجزائر أمام محكمة العدل الدولية بشأن الحادثة. لكنها أعربت عن أسفها لرفض الجزائر الاعتراف باختصاص المحكمة، واعتبرت ذلك “ازدراءً للعدالة الدولية واعترافاً ضمنياً بالذنب”.
البيان وسع دائرة الاتهامات ليشمل السياسة الجزائرية برمتها. فقد اتهم الجزائر بغياب الشفافية أمام محكمة العدل الدولية، وبمحاولة التغطية على دعمها للجماعات المسلحة من خلال “حملة افتراءات شخصية” ضد المسؤولين الماليين. كما ذكّر بدور مالي التاريخي في دعم الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، ليبرز “التناقض الصارخ بين ماضي التضامن الأخوي وسياسات النظام الحالي العدائية”.
مالي جددت دعوتها للجزائر إلى الكف عن التدخل في شؤونها الداخلية ووقف أي دعم للجماعات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل، والعمل على بناء علاقات طبيعية قائمة على احترام السيادة. وأكدت أن حكومة مالي لن تدخر جهداً في الدفاع عن وحدة أراضيها وحماية شعبها، وفي الوقت نفسه ستظل منفتحة على علاقات حسن جوار قائمة على التعاون الصادق.
بيان مالي الرسمي يرفع مستوى الخلاف مع الجزائر إلى ذروة غير مسبوقة وينقله من إطار ثنائي مغلق إلى ساحة الأمم المتحدة. ففي الوقت الذي تسعى فيه مالي لإبراز سيادتها وتعزيز نهجها القائم على الاستقلالية، يفتح هذا التصعيد الباب أمام مواجهة دبلوماسية طويلة ومعقدة. لكنه في المقابل قد ينسجم مع توجهات اتحاد دول الساحل في إرساء خطاب سياسي يقوم على المواجهة المباشرة مع القوى التي تتهمها بعرقلة استقرار المنطقة.
Sorry Comments are closed