لم يتوانى الاستاذ عبد الاله بن كيران في كلمته بالجلسة الافتتاحية لشبية حزبه بالملتقى الوطني المنعقد باكادير، في إرسال رسائل سياسية داخلية و خارجية. و من جملة هذه الرسائل الموجه نحو الذات و الصف الداخلي هي تأكيده على مسار إختيار الحزب للمرجعية الاسلامية. فالمتتبع لغالبية خطابات عبد الاله بن كيران يلاحظ أن الرجل ما فتئ يذكر بدور المرجعية في الممارسة السياسية، و محوريتها في مشروع حزبه، بل إنه أحيانا يسرد بتفاصيل جزئية أو باحالة عامة سياق بداية المراجعات. غير أن كلما ذكر ابن كيران على لسانه كلمة “المرجعية” إلا و أتبعها بعبارة -المرجعية كما فهمناها- و هذه العبارة هي التي تزيد من حيرة المستمع لخطابه، و أول ما توحي اليه هو أن ابن كيران ينظر بغير العين التي تنظر اليها تنظيمات أخرى مشابهة تتبنى نفس الإيديولوحيا. و عليه و محاولة منا لفك شفرة هذه العبارة الملغومة في خطابات بن كيران سيكون من المشروع بسط الاشكال و القول؛ كيف يفهم ابن كيران المرجعية الاسلامـيـــة؟
بناءا عل ما سبق، فإن نجاح تجربة العدالة و التنمية بالمغرب و قيادته لتحالف يضم مختلف التلاوين الحزبية من داخل الحياة السياسية و في وسط إقليمي مضطرب تسقط فيه تجارب مشابهة، يؤكد على أن طريقة إشتغال الحزب غير عادية، و لا يجب مقارنتها بغيرها من تجارب لحكم ما يسمى ب -الاسلاميين- التي فشلت إما ذاتيا أو خارجيا. فتجربة حزب العدالة و التنمية المغربي قد ينظر إليها بعين غير راضية خصوصا بالمشرق، و العلة من ذلك أن العمل السياسي للحزب لا يعكس مرجعيته الاسلامية و هو “علماني” لا “اسلامي”، لكن عبد الاله بن كيران يؤكد على أن نجاح حزبه هو بفضل هذه المرجعية، و أن رؤيته للاصلاح انطلاقا من المدخل السياسي لا تحكمه الأهواء و الأراء بل هو يتصرف وفق مبادئ هذه المرجعية. لذلك يبقى السؤال محيرا أكثر فاكثر كون بن كيران و إخوانه المشارقة يلتقون في نفس النقطة “المرجعية الاسلامية”، و لكنهم يختلفون في فهمها و تمثلها في الممارسة السياسية!
لا شك أن نقطة إفتراق حزب العدالة و التنمية المغربي بأحزاب أو حركات إصلاحية مشرقية هي طريقة فهم كلاهما لحدود حضور المرجعية الاسلامية في العمل السياسي. أذكر أن ابن كيران و هو يتحدث خلال الملتقى الوطني للصحة الذي تنظمه كل من جمعية أطباء العدالة و التنمية و الائتلاف الوطني لصيادلة العدالة و التنمية بمعهد المولاي رشيد بسلا، دعا الحضور الي منافسة الخصوم في القيم الانسانية و إلى عدم “إغفال مسؤوليتهم السياسية، لأن “السياسة هي مصدر القرار، والقرار هو كل شيء”، وقال: “نحن لا نريد غدا سياسيين يريدون إعطاء امتيازات للصيادلة دون غيرهم، نحن نريد العدل”(1). و دعاهم الى مراجعة أنفسهم وعدم التفكير في الإغتناء من القطاع إلا بالعدل، وكذا العمل الجاد لصالح المواطنين. و قال بنكيران مخاطبا الحضور عليكم ب”الخدمة” وعدم التفكير في المناصب والمسؤوليات(2).
إذن، فقد يظن أحدنا أن ابن كيران عندما يتبنى المرجعية الاسلامية، المقصود منها هو سن تشريعات لفرض نمط من التدين أو إخراج قوانين لغلق الحانات الليلية و مطاردة الساحرات -وفق تعبيره- أو إصدار قوانين تخول للدولة التدخل في مساحة الالتزام الديني للمواطن بحجة الحفاظ على الدين، أو الاهتمام بقضايا الهوية و تجريم الافطار العلني…إلخ لكن أعتقد أن حزب العدالة و التنمية على مستوى قياداته المؤسسة لا تفهم المرجعية الاسلامية بهكذا منطق، بل إنه يحرص على ألا يطغى الجانب الهوياتي في خطابه السياسي، و التركيز أكثر على القضايا الاقتصادية و الاجتماعية للمواطن المغربي، و هذا من صرح به عبد الاله بن كيران في أحد حواراته إبان حراك 20 فبرايرعلى قناة الاولى في برنامج “حوار”. لذلك فإن عبد الاله بن كيران إنطلاقا من كلامه يفهم المرجعية الاسلامية في بعدها الاخلاقي و باعتبارها رادع اخلاقي لا غير.
فالدين حسب تصور عبد الاله بن كيران حاضر في السياسة كمبادئ موجهة و مثل عليا يمكن تصريفها و تمثلها عبر تشريعات و صيغ قانونية متغيرة حسب الواقع. فمثلا صندوق دعم الارامل هو تمثل جلي لقيمة العيش الكريم و حفظ كرامة الانسان التي هي من ذاتيات الدين، ثم قرار التوظيف عبر المباراة هو تنزيل واضح لقيمة العدل و المساواة بين المواطنين و القطع مع منطق الزبونية و “باك صاحبي”… و غيرها من الانجازات التي حرصت حكومة عبد الاله بن كيران إخراجها للوجود في تمثل واضح لحدود حضور المرجعية الاسلامية في الممارسة السياسية.
و عليه، نكون من خلال ما سبق قد توصلنا إلى حل للعبارة الملغومة في خطابات عبد الاله بنكيران -المرجعية كما فهمناها- و بذلك، يمكن القول بأن الرجل يفهم المرجعية في انها تحتوي على أمور ذاتية لا تتغير و هي مركز الدائرة في رؤية الاسلام للوجود، و أمور عرضية هي بمثابة تنزيل تاريخي لتلك الذاتيات تتبدل حسب الظروف. إذن، فالدين في تصور الرجل يمد السياسية بقوى تخليقية تكون من عوامل تحصينها من الوصولية و الانتهازية و الارتزاق، و الفساد في تدبير الشأن العام.(3) و لذلك فمن الصعب أن يفه أهل المشرق هذا التقدم المعرفي في التجربة المغاربية للحركه الاسلامية لأسباب ذاتية و تاريخية.
و في الاخير، نختم مع تعليق جامع لما تضمنته هذه السطور للمفكر الايراني مجتهد الشبستري، الذي لا أرى تعارضا في كلامه بين تصور الرجل الذي بصدده دبجنا هذه المقالة، يقول أنه يمكن لنا أن نتوقع من الدين مبادئا أخلاقية ينبغي مراعاتها في السياسة. لكن لا يمكن أنْ نتوقّع من الدين برنامجًا سياسيًا من أجل بلوغ أهدافٍ اجتماعيةٍ معيّنة. الدين بحسب فهمي علاقة بين الإنسان والله، يتحدّث الإنسان فيها إلى خالقه ويستمع إليه، ويتحرّر داخليًا. لذلك أرى أنَّ الدين ليس برنامجًا سياسيًا والإسلام بدوره ليس كذلك. و لكن تديُّن الناس هو من يعطي السياسة دوافع أخلاقية ومعنوية.
بقلم سمير ادوعراب
عذراً التعليقات مغلقة