اعتبر الجراري شعرها لا مثيل له، وأعلن الشميري بلوغها عرش الأميرة المتوجة ورفع حداثيون لها القبعة
سميرة فرجي شاعرة استثنائية، نالت مؤخرا لقب سيدة السنة بالعاصمة العلمية فاس، بعد بروزها اللافت كشاعرة متميزة تتقن إبداع القصيدة العمودية في القرن الواحد والعشرين بمختلف أغراضها، بما فيها السياسية، حيث سبق أن وجهت رسالة قوية إلى الوزير الأول السابق عباس الفاسي، عبارة عن قصيدة شعرية غاضبة، كما وجهت خلال السنة الماضية رسالة غاضبة أخرى إلى بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة على إثر انزلاقاته المتكررة فيما يخص قضية وحدتنا الترابية، لتضع أمامه النقط الناصعة على حروف الصحراء المغربية، بأسلوبها الجميل بناء وشكلا والقوي موضوعا ومتنا، المعبر بصدق عن موقف المغاربة الصارم والأبدي من قضيتهم الوطنية الأولى، ومما جاء في القصيدة قولها:
بٱسْـمِ الدِّفـاع أتينَا نرفع التُّهَمـَا// وَنُشْهِـدُ الناسَ والتاريـخَ والأمَمـَا
بأنَّنَا في سبيل الحَـقِّ أهـلُ وَفـَا// مِنْ أجلِ نُصْرَتهِ نستنهـضُ الهِمَمـَا
العِزّ والحِلمُ مِنْ أخلاقنـا، وعلـى // جَبيـنِ أيَّامِنـا الغَـرّاءِ قَـدْ رُسِمـَا
فَمَا وَطِئنا تُرابَ الغَيْـرِ مَظْلَمَـةً // وَمَا أرَقْنـا ،علـى أرضِ العِبادِ دَمـَا
صَحْرَاؤُنا ركنُ فخرٍ مِنْ هُويَّتِنَـا // وقدْ بَنَى صَرْحَهـا أَجْـدادُنَا قِدَمـَا
الناقد مصطفى الشاوي خلص في دراسة عن ديوانها الثالث “مواويل الشجن” إلى أن قصائدها “ولدت بعد مخاض عسير، وأن وراء نقشها معاناة كبيرة، وأن خلف استوائها تمثلا قويا لقواعد الشعر العربي، واستيعابا رصينا وجيدا لمقومات القصيدة العربية في أزهى عصورها وأرقى نماذجها التراثية الأصيلة والخالدة في أجمل ما أبدعته”.
ومن أجمل ما أبدعت في شعرها العاطفي وهو كثير قولها في ديوانها الثاني “رسائل النار والماء”:
ولن أمانعَ يا جبارُ ثانيةً // إن كنت تنوي بهذا الصمتِ إقباري
يحلو لي الموت لو أعطيتني قلما // من تحت لحدي لأنهي فيك أشعاري
وقولها أيضا في ديوانها الثالث “مواويل الشجن”:
وَمــا هَدَّ ليْلى الْعامِريَّةَ لاعِجي // وَلا مَنْ تفانى في هَواهــا كُثَيِّرُ
ولا هِنْدُ أو أسْماءُ ذاقَتْ صَبابَتي // ولا أوْجَعَ الْخَنْساءَ مِنّي التَّذَكُّرُ
وحَيَّرْتُ نِصْفَ الْعالَمينَ بِحَيْرَتي // وما زِلْتُ في هذا الْمُصابِ أُحَيِّرُ
بهذه الإبداعية المتميزة، استطاعت الشاعرة أن تحرك خيال عميد الأدب المغربي الدكتور عباس الجراري بسبب مفعول شعرها في نفسه، فرد منشدا خلال حفل تتويجها مؤخرا بفاس قائلا:
عجزتُ عن التعبير أبغي به شكرا // أأكتبه نثرا أم أقرضه شعرا
فريدة ربات الخدور وكوكب // يضيء سمانا ينثر الأنجم الزهرا
بهاء وأخلاق وعلم وعزة // من الشمم الوجدي تلبسه فخرا
وكيف وقد زادت عليه بفضلها //شمائل زانتها وتعلو بها قدرا
وإبداعها فاقت به كل مبدع // به نالت القصوى وأدركت الشعرى
سلوني عن شعر لها قد خبرته // فليس له مثل ومن شاء فليقرا
أصيل قصيد سبكته متانة // وروعة تصوير تصوغ به الدرا
بشرق وغرب لم يعر لبهائه //كما عندها فاصدع به ليس ذا سرا
وطبعا ما كان من باب المبالغة الزائدة أن يصف عضو أكاديمية المملكة المغربية شاعرتنا ب”الكوكب الذي يضيء سمانا”، بل قال ذلك بفعل قوة وجمال شعرها الذي سحره وهز كيانه وذائقته عند قراءته، فتأكد له أن إبداعها فاق كل مبدع، بأصالته ومتانته وسبكته وروعة تصويره، مما جعله فريدا ليس له مثيل, ومن أراد أن يتأكد من ذلك – يضيف الجراري- فليقرأ شعرها.
من جهته اعتبر الأديب والدبلوماسي اليمني الدكتور عبد الولي الشميري أن “الحديث عن شعر الشاعرة الملهمة سميرة فرجي متنوع، والتقييم يختلف من قصيدة إلى أخرى، إنها في صدقها وجمال تعابيرها ذبيحة بين عناد الكتمان وشموخ الاعتزاز بالذات” قبل ان يتوجه لها في دراسة عن شعرها قائلا: ” فأنت تجاوزت مدى لم يبلغه قيس وليلى، وكثير، وعزة، وقهرت العاشقين والشعراء الغزليين من بعدك. واعترف أنك بهذه القصيدة بلغت عرش الأميرة المتوجة للشعر الفصيح، الموزون المقفى البليغ السهل الممتنع”.
ليس هذا فقط، بل إن عددا من الشعراء الحداثيين من أنصار قصيدة النثر، رفعوا لشعرها قبعاتهم تقديرا وإعجابا، فهذا حسن الوزاني الذي أعجب بشعرها أيما إعجاب، فكان ذلك سببا في برمجتها ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب خلال الدورتين الأخيرتين، وذاك محمد بشكار الذي أفرد افتتاحيته – على غير العادة – ليتحدث بنوع من الدهشة عن شعرها على امتداد الصفحة الأولى للملحق الثقافي لجريدة العلم.
وبالعودة إلى الدكتور عباس الجراري، فإنه عندما قرأ صدفة مخطوط ديوانها “رسائل النار والماء”، قرر بدون تردد تقديمه قائلا:
“سعدت هذه الأيام بالاطلاع على ديوان “رسائل النار والماء” للشاعرة المتفننة الأستاذة المحامية سميرة فرجي، فأعجبت بما تتمتع به هذه الشاعرة من إمكانيات ذاتية وقدرات تعبيرية.
فبالإضافة إلى لغتها الرشيقة، وعباراتها الجميلة الأنيقة، وصورها الرائعة البديعة، فهي تعنى بالتشكيل الموسيقي المطرب، تضبطه بأنماط إيقاعية داخلية وخارجية، تتعامل معها بعفوية وتلقائية، وفق ما يتطلبه الوضع وتقتضيه المعاناة.
وهي بعد هذا تلفت النظر بنفسها الوجداني المتميز وجرأتها المتفردة في إعلان مواقفها، بشموخ فائق وحيوية متدفقة، وبوعي ورؤية طموحة لما تسمو به نفسها ويعلو به القدر.
وعندي ان الأستاذة سميرة بهذا الديوان تكشف تجربة غنية في التعبير الشعري، هي وليدة انفعال حقيقي وتأثر بالغ، مما يجعلها تتجاوز المتعارف عليه والمتداول، وتحول ما تعانيه من قضية شخصية تبدو واقعية في الغالب، إلى ما يضفي عليها طابعا إنسانيا يحث القارئ، بما يشبه الحكمة، على التجاوب معها بتعاطف واندماج.
وهي بهذا وغيره تحتل موقعا طليعيا في ساحة الشعر العربي، يدعو باعجاب وتقدير الى كثير من الاعتزاز بها والافتخار.” انتهىت شهادة عباس الجراري.”
نعم لقد استطاعت الشاعرة حقا، وهي تسجل حضورها الشعري المتعاظم، أن تقهر الزمن، من خلال قدرتها على إبداع شعر جميل ومعبر يسحر القلوب حسب عبد الولي الشميري، بلغة رشيقة وفي قالب عمودي يعود لقرون خلت، حيث “أبهرت – يقول الشاوي – وتبهر القارئ وتثير فضوله وترجعه إلى زمن القصيدة العمودية الجميل في أقوى لحظاته وأبهى تجلياته وأرقى نماذجه الخالدة، لأنها تصدر في ذلك عن طبع صقيل وذوق رفيع ودربة عميقة”. لذلك فلا غرابة أن تتم ترجمة أشعارها إلى عدد من اللغات الحية، كما أن القادم من الأيام يحمل بدون شك تألقا كبيرا ومفاجآت سارة للشاعرة.
محمد بلمو
عذراً التعليقات مغلقة