أصبح لأسواق الشغل بالمغرب أبواب ونوافذ متعددة وعشوائية، بعيدة عن مسارات ومسالك المدارس والمعاهد والكليات ومساطر الولوج الرسمية… بات بالإمكان الظفر بمهن ووظائف دخيلة، مدرة للمال والجاه، تضرب في عمق دستور البلاد وقوانينه التنظيمية. لا يعترف أصحابها بمفردات من قبيل الصدق والسمعة والشرف والكرامة والعزة… تأتي في مقدمتها مهنة (شاهد زور)، التي زاد عدد ممتهنيها بمحاكم المملكة ومرافق الأمن الوطني والدرك الملكي. لا يفارقون المقاهي والمحلات التجارية والخدماتية المقابلة لها.. وجوانب مكاتب الكتاب العموميين والعدول والمحاماة.. يقتنصون يوميا فرص تقديم شهادات عن وقائع وأحداث لا علم لهم بها باعتماد سماسرة مهمتهم التواصل مع المتقاضين وكل طالبي تلك الخدمات. شهادات تكون في غالبيتها حاسمة في مدى صحة وسلامة وثائق إدارية، أو ركيزة أساسية لترجيح كفة مشتكي أو متهم في قضايا جنحية أو جنائية.. شهادات زور، تضمن لصاحبها مبالغ مالية تزيد أو تنقص يوميا، بحسب نوعية وقيمة القضايا. ومدى قوة وتأثير تلك الشهادة. وقيمة نتائجها النقدية (الحصول على إرث، أو انتزاع ملكية..)، أو المعنوية (تبرئة أو إدانة)، حسب غرض طالب شهادة الزور.. لكنها تبقى مهنة مدرة للدخل. وكافية لجعل ممتهنيها يؤثثون لأسر جديدة. ويورثونها لذريتهم. لا يهمهم ما يواظبون عليه من كذب وبهتان، رغم أدائهم القسم. نفس الوجوه البشرية، تتردد يوميا على نفس المكاتب. مهمتها تقديم الشهادة منطوقة أو مكتوبة مع التوقيع على صحتها. دون أن تثير الشك في نفوس الموظفين والمسؤولين. ولو بادرت الجهات المعنية إلى تطبيق جرد سنوي للوائح الشهود. لتمكنت من الوقوف على هويات تلك المجموعة التي لا شغل لها سوى تقديم الشهادات بالمقابل المادي. ليس مهم مدى صحة القضية أو الوثيقة التي يقوم الشاهد بدعمها وتزكيتها. وليس المهم الغرض من الشهادة. ولا هل تسببت في إنصاف المظلوم ومعاقبة الظالم. لكن الأهم والأخطر هو أن يقتات الرجل أو المرأة من وراء شهادة أمليت عليه. لم يكن يعلم عنها شيئا. تعتبر شهادة زور حتى ولو كانت تفيد أحداثا صحيحة. بعض شهود الزور، لا يترددون في أوقات فراغهم، وشح مهنتهم إلى شغل مهام الوساطة بين المواطنين، ومسؤولين بعدة قطاعات.. تجدونهم داخل المحاكم والمرافق الأمنية والدركية وداخل المستشفيات والملحقات والمقاطعات ومقرات الجماعات الترابية والعمالات والولايات.. ثارة يقضون حوائج الناس المجانية بالمقابل المادي.. إما بتواطؤ مع موظفين ومسؤولين، أو عن جهل من هؤلاء. وثارة يعرضونهم للنصب والاحتيال ويختفون لفترة قبل الظهور في بأقنعة جديدة. تنامت واستفحلت ظاهرة شهود الزور، بالموازاة مع تنامي عدة ظواهر غير أخلاقية، أتت على كل الخصال والأخلاق البشرية الحميدة. ومهدت لترسيخ ثقافة (الأنا) وحب الذات. وفرض قضاء المصالح الشخصية على مصالح البلاد والعباد.حيث التنافس والإبداع بأساليب جديدة في الكذب والنفاق والنصب والاحتيال و.. من أجل المال والجاه.. وإذا كان هؤلاء القادمين من عالم الفقر والتهميش، امتهنوا شهادة الزور من أجل لقمة العيش، والتأثيث لأسر. فإن هناك مجموعة من القادمين من العالم الأثرياء، ضحاياهم بالجملة. أضافوا مهنة شهادة الزور إلى قائمات مهنهم ووظائفهم الرسمية. يشهدون بأن مشاريع وهمية أنجزت أو في طريقها إلى الإنجاز، وأن أغلفة مالية (اقتسموا بعضها أو جلها فيما بينهم)، صرفت أو ستصرف مستقبلا خدمة للصالح العام.
(شاهد الزور) قد يكون كلبا يواظب على التربص بضحيته من أجل أن يرميه ب(عظمة)، وقد يكون ذئبا يصل إلى حد انتزاع تلك العظمة بالقوة.. وقد يصاب الكلب أو الذئب مع مرور الزمن بالسعر، وينتهي بافتراس ضحيته.. هذا عن القادم من حفر الفقر والمعاناة… فماذا إذن قد يرغب (شاهد الزور) القادم من عالم الثراء .. من ضحاياه ؟…
عذراً التعليقات مغلقة