كثر الحديث مؤخرا عن النقل المدرسي والمشاكل التي يتخبط فيها.. وعن قانوية المبالغ المادية التي تفرضها الجمعيات المسيرة له على المتعلمات والمتعلمين.
يمكن القول أن معظم المصاريف التي تفرضها جمعيات النقل المدرسي بالاقليم من انخراطات واشتراكات وغيرها تقع خارج دائرة توجهات الدولة والوزارة التي تنحو منحى المجانية.. بل يمكن القول انها خارج اي تأطير قانوي..
فالاصل في الامر أن الدولة أقرت بمجانية التعليم.. هذه المجانية تشمل جميع مناحي العملية كالتمدرس، اكثر من ذلك فهي تعمد الى التخفيف على الفئات الهشة والمعوزة عبر اجراءات مواكبة ومصاحبة مثل توفير بعض مستلزمات الدراسة في اطار برنامج مليون محفظة، او عبر برمجة دعم اضافي كبرنامج تيسير..
وفي مجال النقل المدرسي..
فالاصل فيه المجانية.. فالدولة فوضت هذا الاختصاص لمجالس العمالات والاقاليم ليس لتزويد الجمعيات بالحافلات ثم تنسحب، بل لتوفر خدمة مستمرة ودائمة للنقل المدرسي في المجال القروي بكل ما تحمله الكلمة من معنى..
ثم تأتي جمعيات مدنية أو جماعات ترابية لا اختصاص لها لتسير هذا المرفق الحيوي وتفرض رسوما ومقابلات مادية على أسر مغلوبة على أمرها وتضرب مبدأ المجانية عرض الحائط..
فضلا عن ان المجلس الإقليمي لتيزنيت خصص دعما لفائدة التلميذات والتلاميذ الذين يستعملون النقل المدرسي يناهز مليون درهم(100 مليون سنتيم) .. ويؤدى عن كل مستفيد ومستفيدة (100 درهم للذكر و 110 دراهم للأنثى).. ومعلوم كذلك أنه فوض تسيير هذه الخدمة للجمعيات والجماعات وفق اتفاقية شراكة تلتزم فيها الجماعة بدعم الجمعية المسيرة ماليا ولوجستيا.. وفي معظم الجماعات يتم تخصيص مبالغ مالية لا يستهان بها وكذا موارد بشرية كسائقين ومرافقين.. هذا دون اغفال الدعم المالي واللوجستي المقدم من جهات اخرى مؤسساتية وفردية…
ومع كل ذلك يتم فرض مقابل مادي لهذه الخدمة..
ومن زاوية نظر اخرى.. فغالبا ما يتم استعمال النقل المدرسي في المدارس الجماعاتية التي تنشأ في غياب دراسة للجدوى ورؤية مستقبلية وبتحكم خلفيات اخرى غير تربوية ولا تعليمية..
ولا يتم احترام بنود المذكرة 096X17 الصادرة يوم 25 يوليوز 2017 بمثابة الإطار المرجعي الخاص بالمدارس الابتدائية الجماعاتية.. والتي تنص في الجزء المخصص بمعايير البرمجة وتوطين المدرسة الابتدائية الجماعاتية الى ان هذه المعايير تهدف إلى نجاعة ومردودية المدارس الابتدائية الجماعاتية، وتتوخى ضمان جودة التعليم وترشيد استعمال عبر:
•إعطاء الأولوية للمناطق الهشة والفقيرة والتي تعرف ارتفاعا في نسب التكرار ، أو الانقطاع أو الغياب سواء في صفوف التلاميذ أو أطر التدريس؛
• القيام بدراسة سوسيولوجية للساكنة قبل التوطين، لتحديد درجة المقبولية والملاءمة قبل إحداث هذا النوع من المدارس؛
• مراعاة الاستدامة والطلب الدائم والمتواصل على التمدرس في المنطقة المرشحة لاحتضان المدرسة الابتدائية الجماعاتية؛
وفي مجال مهام التدبير التربوي والإداري للمدرسة الابتدائية الجماعاتية خاصة مرفق النقل المدرسي فتشير المذكرة الى أن:
– النقل المدرسي يدخل ضمن اختصاص العمالات والأقاليم حسب المراسلة الوزارية رقم 120X16 بتاريخ 29 دجنبر 2016 الصادرة في هذا الشأن.
وعليه فكل المؤشرات والقوانين الجاري بها العمل تؤكد مجانية النقل المدرسي الذي يدخل في اطار التحفيزات لتوسيع العرض المدرسي وتجويده وتقريب الخدمة من المرتفقين عبر احداث المدارس الجماعاتية..
لكن واقع هذا النقل المدرسي بمعظم الجماعات بالاقليم يقول عكس ذلك ويكرس أداء الأسر لهذه الخدمة فضلا عن رداءتها وعدم توفرها على الشروط التربوية والتقنية المطلوبة..
نذكر على سبيل المثال لا الحصر أن هناك سائقين لا يتوفرون علي رخصة سياقة هذا النوع من الحافلات وغياب اعتماد مرافقين تربويين والخلط بين الفئات العمرية داخل الحافلة الواحدة مما فاقم بعض الظواهر اللااخلاقية واللاتربوية في غياب اي مراقبة أو تتبع، فضلا عن حمل اكثر من العدد المسموح به وطول المسارات مما يتعب التلاميذ ويوثر على قدرتهم وجاهزيتهم للتحصيل الدراسي، ويزداد الامر سوءا عند رداءة الطرق او استعمال طرق غير معبدة، وعند استعمال حافلات قديمة وضعيتها الميكانيكية تنبئ بالخطر والهلاك، وحتى الجديدة منها تم التفريط فيها في غياب الصيانة والمراقبة المستمرة.. وقبل هذا وذاك كيف يقوى تلاميذ النستويات الدنيا كالاول والثاني على التنقل يوميا بهذا الشكل..
ولعل السؤال او الاسئلة التي ينبغي على المسؤولين المباشرين او الشركاء إعداد إجابات عنها:
– ما العمل في حال توقف هذه تقديم هذه الخدمة من قبل الجمعيات او الجماعات المسيرة لأي سبب من الاسباب.. عحز مادي أو خلفيات غير تربوية او صراعات قبلية وسياسية وما اكثرها.. او اختلالات واعطاب ميكانيكية..؟ هل نتفرج على معضلة هدر الزمن الدراسي الذي وضع رهينة بين ايدي لا تتحمل أية مسؤولية مباشرة عن القطاع؟
– اين تبدا واين تنتهي مسؤولية واختصاص المجالس الاقليمية..؟ هل تكتفي بتوفير الحافلات وبعض الدعم ثم ترفع يدها؟ ام ان الاختصاص الحصري يعني اكثر من ذلك؟
– ما موقع وزارة التربية الوطنية في هذا النقاش.. وهي التي تقف مديرياتها الاقليمية موقف المتفرج ومن بعيد.. ولا تتدخل الا عندما تستدعى لدورات المجالس الاقليمية لابداء الراي فقط.. وحتى اتفاقيات الشراكة لتسيير النقل المدرسي لم يتم ادراجها.. ولا يتم التنسيق معها ولا اخبارها بمستجدات الموضوع وكانها غير معنية به؟
• وكيف تصرف هذه الوزارة ميزانيات ضخمة في تشييد مدارس جماعاتية.. دون السوال عن الكيف.. وتوفر موارد بشرية إدارية وتربوية.. ثم تهمل توفير خدمة اساسية هي العمود الفقري المعول عليه لانجاح هذه المدارس والتحاق التلاميذ بها.
وختاما إما ان تتحمل الوزارة مسؤوليتها كاملة وتوفر خدمة نقل مدرسي مجانية وذات جدوى.. وتوفر مع ذلك اطارا قانونيا مفصلا يؤطر المدارس الجماعاتية ويعالج الثغرات والاختلالات التي طفت على السطح.. او تترك المنظومة على حالها.. بدلا من المغامرات الطائشة والقفز في الهواء بدون ضمانات…
عذراً التعليقات مغلقة