إس – 300 ستجبر إسرائيل على السلام كما أجبرتها صواريخ حزب الله على عدم مهاجمة لبنان

الوطن الأن11 أكتوبر 2018آخر تحديث :
إس – 300 ستجبر إسرائيل على السلام كما أجبرتها صواريخ حزب الله على عدم مهاجمة لبنان

بدأت روسيا في تزويد سوريا بأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات والصواريخ في آن واحد وهي إس – 300 ، وهي دون النسخة المتطورة إس 400، لكن هذا الإعلان كان كافيا لبث رعب حقيقي في الأوساط العسكرية الإسرائيلية وردود فعل متشنجة حتى من الولايات المتحدة. والإعلان يعني شيئين، الأول وهو بدء نهاية الهيمنة العسكرية الإسرائيلية في الشرق الأوسط، والثاني يعني ضرورة الاستعداد للتفكير في مفاوضات سلام حقيقية بما فيها الجولان.
وتاريخيا، قوة السلاح غالبا ما تصنع الانتصار في الحرب وتفرض السلام عبر الردع. ونجحت إسرائيل في الهيمنة في الشرق الأوسط والتحول إلى اللاعب الإقليمي بفضل الأسلحة المتطورة التي توصلت بها تاريخيا من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الأخرى علاوة على امتلاكها القنبلة النووية، ويضاف إلى كل هذا تطويرها للأسلحة.
وانهزمت الدول العربية في شتى الحروب لأنها لم تحصل على الأسلحة المتطورة من الاتحاد السوفييتي سابقا ومن روسيا حاليا. وكانت موسكو تتردد في بيع ما يفترض أنه حلفاءها من العرب أسلحة متطورة لعاملين هما:
في المقام الأول، الأنظمة العربية غير مستقرة وقد يحدث انقلاب ضد الحكم أو في الرؤية السياسية وتسقط الأسلحة السوفييتية في يد الغرب، كما حدث مع مصر عندما قرر الرئيس الراحل السادات التخلي عن الاتحاد السوفييتي لصالح الغرب. أو قد يتم تسريب نسخ من الأسلحة المتطورة إلى الغرب أو السيطرة عليها. ويقدم لنا التاريخ مثالين هامين، الأول وهو فرار الربان العراقي منير روفا من العراق بطائرة ميغ 21 سنة 1966 ونجت الولايات المتحدة وإسرائيل في تفكيك الميغ ومعرفة أسرار صناعة السلاح الجوي الروسي، وكان البنتاغون يعاني من الميغ في حرب الفيتنام وبفضل خيانة روفا نجح في الحد من قوة طيران الفيتنام. ويتجلى المثال الثاني في حادثة شهيرة بقيت طين الكتمان حتى السنوات الأخيرة وهي عندما نجح كوماندو إسرائيلي من اختطاف رادار سوفييتي متطور معروف باسم ب 12 من الأراضي المصرية كان يشكل خطرا على الطيران الإسرائيلي، وهي الحادثة التي تعرف بالزعفانة سنة 1969. لم يفد الرادار فقط إسرائيل وحدها بل كذلك الحلف الأطلسي برمته لأنه كشف عن التقنية السوفييتية في اعتراض الطائرات.
في المقام الثاني، اعتقد الاتحاد السوفييتي في حق إسرائيل في الوجود، وبتنسيق سري مع الغرب، امتنع عن بيع أسلحة متطورة للدول العربية حتى لا يتم هزم إسرائيل وحتى يتم جر العرب في آخر المطاف الى مفاوضات سياسية، وهو الموقف الذي ورثته روسيا عن الاتحاد السوفييتي بعد تفككه، فموسكو تعتقد في حق إسرائيل في الوجود. كل هذه العوامل تفسر سر التفوق الإسرائيلي العسكري على العرب تاريخيا.
لكن هذه العوامل التي تحكمت في ظروف الماضي بدأت تتلاشى في الوقت الراهن، ويشكل المنعطف الرئيسي تواجد روسيا في سوريا وقرار بيعها منظومة الدفاع الصاروخي إس – 300 وهي منظمة قادرة على اعتراض وتدمير المقاتلات والطائرات المروحية والطائرات بدون ربان والصواريخ ذات المدى القصير والمتوسط والبعيد، وهي بهذا تتفوق على صواريخ باتريوت الأمريكية.
ويتحكم عاملان استراتيجيان في قرار روسيا تزويد سوريا بسلاح إس – 300 وهما:
في المقام الأول، العالم يعود إلى حرب باردة جديدة وأصبحت معلنة، ولا تملك روسيا الكثير من القواعد في الخارج مقارنة مع الوجود العســكري الأمريكي. وتبقى أهم قاعدة عسكرية روسية في الخارج هي طرطـــوس ثم قــاعــدة حميميم الحالية الجوية، ولهذا لن تفرط روسيا في سوريا ولن تسمح لإسرائيل باحتقار دمشق عسكريا كل مرة.
في المقام الثاني، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الغرب يريد الانفراد بالقضية الفلسطينية وموسكو لن تسمح بهذا، في إشارة إلى صفقة القرن التي سيعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ومنح موسكو أسلحة متطورة لسوريا هو تنبيه بتقويض استراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط بما فيها القضية الفلسطينية.
انتفضت إسرائيل والولايات المتحدة ضد القرار، وبادرت واشنطن إلى تهديد موسكو بعقوبات جديدة بعدما أدركت أنها ستفقد الكثير في الشرق الأوسط من فرض سيناريوهات سياسية وعسكرية.
وكما أشرنا أعلاه، السلاح يصنع الانتصار أو يشكل خير وسيلة للردع ويساهم في فرض السلام لاحقا. ولمعرفة أكبر لتأثير لمنظومة إس – 300 على إسرائيل، نستحضر ما كتبه المحلل الإسرائيلي التقدمي في جريدة هآرتس هذه الأيام «إنّها للمرّة الأولى منذ سنواتٍ تُحدِد دولة أخرى لإسرائيل أنّ هناك حدودًا لقوّتها، وأنّه ليس كلّ شيء مسموحًا لها، وأنّها ليست وحدها في اللعبة، وأنّ أمريكا لا تستطيع التغطية عليها بكلّ شيء، وأنّ هناك حدودًا لما يمكنها القيام به».
في هذا الصدد، السلاح لن يصنع لسوريا انتصارا، بل سيشكل قوة ردع حقيقية ضد القوة الإسرائيلية، وهذا سيدفع إسرائيل إلى وقف هجماتها بعدما أصبحت قليلة وضرورية وتتم من البحر عموما في أعقاب إسقاط الدفاع السوري لطائرة إف 16 خلال شباط/فبراير الماضي.
لا يمكن فهم تطورات الشرق الأوسط السياسية بدون فهم العامل العسكري المتمثل في تطور الصواريخ. في هذا الصدد، لا تمتلك بعض الدول التقدم التكنولوجي الكافي لصنع مقاتلات متطورة مثل الميراج الفرنسية وعائلة إف الأمريكية أو سوخوي الروسية. ولهذا لجأت إلى تطوير سلاح الصواريخ. وعمليا، إذا كان الانتقال من جيل للطائرات المقاتلة هو على الأقل 15 سنة أو أكثر، فمثلا، جرى تصنيع إف 16 سنة 1974 ودخلت الخدمة سنة 1978 وتستمر إلى يومنا هذا. في المقابل فقد تم تصنيع إف 35 سنة 2006 وبدء العمل بها سنة 2015 وستكون بديلة ل إف 15 وإف 16. نجد العكس في الصواريخ، الجيل الزمني في الصواريخ هو ما بين خمس سنوات وعشر سنوات، قد طورت إيران مثلا خلال العشرين سنة الأخيرة أربعة أجيال من الصواريخ. وستفقد الطائرات المقاتلة، بل وبدأت، أهميتها أمام الصواريخ خاصة إذا استطاعت تجاوز منظومة الدفاع. ومن ضمن الأمثلة، تحولت إيران إلى قوة إقليمية بفضل الصواريخ وليس الطائرات المقاتلات بينما إسرائيل قوة إقليمية بفضل الطائرات. وفي مقال آخر، نجح الحوثيون خلال الحرب الحالية التي تشنها دول بزعامة السعودية على اليمن في تجاوز منظومة باتريوت التي يعمل بها الدفاع السعودي بدعم من فنيين عسكريين أمريكيين، ولم تعد إسرائيل تثق في منظومة باتريوت رغم التعديلات التي دخلت عليها، وذلك منذ حرب الخليج الأولى عندما عجزت عن اعتراض صواريخ سكود التي أطلقها الجيش العراقي على إسرائيل. لقد أدركت إسرائيل خطورة امتلاك سوريا لتقنية إيران في تصنيع الصواريخ، ولهذا اغتالت يوم 4 آب/اغسطس، وفق «نيويورك تايمز» مدير مركز البحوث العلمية وأحد كبار علماء الصواريخ في سوريا، عزيز إسبر. وشنت لاحقا في منتصف أيلول/سبتمبر هجوما ضد مصنع مختص في تصنيع الصواريخ الإيرانية في اللاذقية، وهو الهجوم الذي يمكن وصفه «بالهجوم الانتحاري استراتيجيا» بسبب التسبب في سقوط طائرة إليوشين 20 الروسية وما تلاها من انعكاسات استراتيجية سلبا على إسرائيل، أي قرار موسكو تزويد دمشق بـ إس ـ 300.
في مقال منشور لصاحب هذه السطور في جريدة «القدس العربي» بتاريخ 3 آب/اغسطس 2006، كتبنا بعد انتهاء حرب تموز كيف استطاع حزب الله بفضل الصواريخ تحقيق توازن رعب مع سلاح الجو الإسرائيلي، وهذا يعني تفكير إسرائيل ألف مرة قبل تنفيذ أي عدوان على لبنان. ومنذ ذلك التاريخ لم يحدث أي عدوان على لبنان رغم أن مئات المقالات وعشرات مراكز التفكير كانت دائما تتحدث عن الحرب الوشيكة. لماذا لم يحدث الهجوم؟ حزب الله وقتها غطى نصف إسرائيل بالصواريخ والآن قادر على تغطية إسرائيل كلها بالصواريخ وجعل الإسرائيليين يعيشون في الملاجئ، فصواريخ حزب الله سنة 2006 ليست هي صواريخ حزب الله سنة 2018 من حيث القوة النارية ودقة التصويب لضرب الأهداف.
بغض النظر عن الجدل حول شرعية نظام دمشق المتمثل في بشار الأسد بعد الحرب الأهلية الدامية، يبقى الأساسي هو امتلاك سوريا كدولة سلاحا متطورا مثل إس – 300 سيجعل إسرائيل، وهو الراجح، تميل باحتشام إلى السلام مستقبلا، ولهذا يمكن اعتبار تصريحات السفير الأمريكي فيلتمان بضم نهائي من طرف إسرائيل لمرتفعات الجولان مشكوك فيها على ضوء إس – 300 وأسلحة متطورة أخرى مستقبلا. نعم إس – 300 ستصنع السلام مستقبلا. وإذا حاولت إسرائيل مهاجمتها، بدون شك ستعطي موسكو لدمشق إس 400.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة