بلال داود…معركة الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، بين شرعية المطالب وتظليل المظللين

الوطن الأن25 مارس 2022آخر تحديث :
بلال داود…معركة الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، بين شرعية المطالب وتظليل المظللين

جاءت فكرة كتابة هذا المقال في سياق الزوبعة التي تثار كلما صعد الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد في معركتهم. سواء من طرف الدولة في شخص وزارة التربية الوطنية، أو من طرف بعض المنتقدين لهذه الخطوات التصعيدية.
لذلك سنتطرق في هذا المقال للأسباب والدوافع الكامنة وراء هذا السيل العارم من الانتقادات، والتي غالبا ما تكون من طرف أشخاص وهيئات مصطفة إلى جانب الدولة ، وبالتالي فهم يدافعون عن سياساتها اللاشعبية في مجال التربية والتعليم. ولمناقشة هذا الموضوع كان لزاما علينا أن نقسمه إلى شقين.

الشق الأول سنتطرق فيه للتنظيم الذي يقود معركة الدفاع عن المدرسة والوظيفة العموميتين. تاريخه و مساره النضالي.
والشق الثاني سنحاول من خلاله تحليل بعض الآراء المعارضة التي يزعجها الخط الكفاحي والنضالي،سواء كانت جهة رسمية أو مقربين منها.
أولا: التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم ،التأصيل التاريخي والمسار النضالي :
أُسست التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد في الرابع من شهر مارس سنة 2018.حيث عقدت مجلسها الوطني التأسيسي بمدينة الرباط. ليعلن عن ميلاد إطار نقابي جديد، بنفس نضالي متجدد يضم طاقات نضالية شابة تمثل جيلاً جديدا داخل منظومة التربية والتعليم، وهم جيل من الأساتذة أطلقوا على أنفسهم “الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” .
هذه التسمية بحمولتها السياسية، أثارت جدلا واسعا في أوساط الشارع المغربي حيث انقسم إلى مقتنع بها، ورافض لها نتيجة قصور على مستوى الفهم لسياق وظروف تنزيل مخطط التعاقد.
وعليه شكل يوم 06 ماي من سنة 2018 الانطلاقة الفعلية للمسار النضالي الذي دشنته التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم بإعلانها عن إنزال وطني ممركز بمدينة الرباط يوم الأحد الذي يصادف عطلة نهاية الأسبوع . فحج الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد من كل أنحاء الوطن، من قراه ومد اشره من الجبال والسهول والصحاري ، بل وحتى من المناطق المغربية المعزولة حيث لا ماء ولا كهرباء ولا طرقات .
حجوا بكثافة، في يوم تحولت معه شوارع الرباط لبياض ناصع ، ذلك اليوم المشهود تعالت فيه أصوات شابة تردد شعارات قوية، تهتف رافضة للتعاقد، ومطالبة بالإنصاف، والمساواة والكرامة. فكانت انطلاقة قوية لإطار قوي، ظل ومازال الأقوى من داخل الشارع السياسي المغربي. رغم ذلك لم يكن هؤلاء الأساتذة مندفعون أو متسرعون، بل ظلوا يناضلون بخوض مسيرات أيام الأحد والعطل ،حمل الشارات ،إضرابات لم تتجاوز 24 ساعة ثم 72 ساعة.
كل هذا والحكومة أو الجهات المسؤولة في سبات عميق، في تجاهل تام لهؤلاء المواطنين المغاربة قبل أن يكونوا أساتذة من خيرة أبناء وبنات الشعب المغربي زُجَّ بهم في حقل التعليم بعقود إذعان هشة تفسخ بدون إشعار أو تعويض، وهو ما حدث فعلا مع أستاذين سنة 2018، هذا دون الحديث عن الإهانات والتجاوزات من طرف بعض المحسوبين على القطاع، ناهيك عن النظرة الدونية لهم والتي لم تشفع لهم أمامها الشهادات والدبلومات العليا التي حصلوا عليها، فهم في نظر المجتمع مجرد أساتذة متعاقدين…
ثانيا: تحليل الآراء المنحازة للدولة ،والمعارضة لمعركة المفروض عليهم التعاقد. الدوافع والغايات.
كما أسلفت في البداية غالبا ما نجد الآراء المعارضة والمنتقدة تأتي دائما من أشخاص أو جهات أو هيئات مقربة من الطرف النقيض إذ تجدها مجندة لخدمة مصالحه السياسية.
هذه الآراء غالبا ما تتحجج بمصلحة التلميذ(ة) ،ومصلحة الوطن، وتنعت الأساتذة باللاوطنيين واللامسؤولين ، و أنهم يدافعون عن مصالحهم الشخصية، وكونهم من هواة الإضراب والاحتجاج…
هنا سنتوقف عند كل مفهوم يستعمله أصحاب هذه الآراء، ونضعه في سياقه الصحيح وننظر إليه من الزاوية الصحيحة، ونوضحه بالأمثلة، ونبرهن عن الحس الوطني لهؤلاء الأساتذة و نبين التضحيات التي يقدمونها في سبيل الوطن.
 _أولا : مفهوم “مصلحة التلميذ(ة)” لعل الشق الأول من المقال تطرق بما فيه الكفاية للسبيل الذي سلكته التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد تحسبا لمصلحة التلميذ وصونا لحقه في التمدرس وحفاظا على الزمن المدرسي . وما يمكن إضافته هنا دليل آخر على حرص هؤلاء الأساتذة على مصلحة التلميذ. لذلك سنستحضر ما وقع سنة 2019 خصوصا بعد المعركة البطولية المتمثلة في 55 يوما من الإضرابات والانزالات والمعتصمات الليلية والمطاردات في شوارع العاصمة وغيرها من المدن المغربية. وبعد مئات الإصابات في صفوف الأساتذة والأستاذات، وبعد سقوط شهيد على وقع القمع الهمجي ليلة الأربعاء الأسود.
مع كل هذا عاد الأساتذة للفصول بعد تلقيهم لعدة مناشدات، عادوا للأقسام واستدركوا ما فات من دروس ، حيث اشتغلوا ساعات آخرى خارج ساعات العمل، أنجزوا الدعم والفروض والامتحانات، فماذا كان جزائهم؟؟
أزيد من مليون سنتيم من الاقتطاعات دامت لأشهر…
 _ثانيا :الوطنية ،دائما ما يُنعت هؤلاء الأساتذة باللاوطنين ،ويتم المزايدة عليهم في هذا الاتجاه، وهذه المزايدات سنثبت أيضا أنها باطلة.
عندما نتحدث عن الوطنية وهي مسألة لا تقبل المزايدة ، خصوصا ونحن نتحدث عن مواطنين يدافعون عن حقهم في الاستقرار الوظيفي وحقهم العادل في الشغل كما هو منصوص عليه في الدستور المغربي. ويدافعون عن المدرسة والتعليم العمومي، حيث أعلنوا رفضهم التام لبيع المدرسة العمومية وخوصصتها ،إذ يعتبر التعاقد مدخل من مداخل خوصصة التعليم وتسليعه، وذلك عن طريق منح الاستقلالية المالية للأكاديميات الجهوية.
زد على ذلك معنى الوطنية يختلف حسب موقع كل فرد من أفراد المجتمع، فهناك من يرى الوطنية هي شعارات وأناشيد ترددها الألسن ورموز جامدة نمجدها.
وهنا سنأتي بمثال من التاريخ ونحاول المقارنة بين الوطنية المزيفة والوطنية الحقيقية. سنعطي مثالا بالقواد والشيوخ والمخازنية في عهد الحماية. في المقابل سنستحضر رموز المقاومة من أمثال محمد بن عبد الكريم الخطابي وعسو بوسلام وموحا احمو الزياني.
فالصنف الأول كان يدعي الوطنية من خلال الدفاع عن الاستعمار باعتباره جاء لحماية المغرب بطلب من هذا الأخير، والصنف الثاني يمثل الوطنية الحقيقة حيث حمل السلاح وخاض مقاومة شرسة للدفاع عن الوطن وتحرير أراضيه وحفظ خيراته التي كانت تنهب من طرف سلطات الحماية.

وأخيرا لنا بعض التوصيات نرفعها للجهات المسؤولة في حالة ما كانت ترغب حقا في إصلاح التعليم بالمعنى الحقيقي للإصلاح.
1) إسقاط التعاقد وإدماج كافة الأساتذة والأستاذات في النظام الأساسي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي. بمنصب مالي ممركز يدخل في مشروع المالية السنوية للدولة. والقطع مع التوظيف بالتعاقد بشكل عام.
2) إعادة النظر في المناهج، وذلك بإحداث تغيرات جذرية على المقررات وجعلها تواكب التقدم الحاصل على المستوى التعليمي. إسوة بباقي الدولة المتقدمة في هذا المجال.
3) إلغاء التعليم الخصوصي، والاكتفاء بالتعليم العمومي (الموحد) . مع فرض رسوم على الشركات كمساهمة في تمويل وبناء المدارس العمومية . هذا من شأنه أن يخلق نظام تعليمي موحد تتكافأ فيه الفرص بين أبناء الوطن الواحد.
4) الرفع من عدد الدورات التكوينية وجودتها للفائدة الأطر العاملة بالقطاع، وذلك عن طريق زيادة عدد المؤطرين، وتخصيص مزيانة خاصة بالشق التكويني للأساتذة مع منح تعويضات عن التنقل والسكن.
5) الرفع من الأجور للعاملين بالقطاع . وهذا من شأنه أن يحفز هم ويجعلهم يبذلون مزيدا من الجهود للنهوض بالتعليم والمدرسة العمومية ، بدل الاضطرار لزيادة الساعات الخصوصية لتغطية مصاريف ومتطلبات العيش.
6) رد الاعتبار للسادة الأساتذة، باعتبارهم القدوة وصانعي الأجيال.
وخلاصة لما سبق الحل الكفيل بإنهاء الأزمة داخل المنظومة، تمتلكه الدولة المغربية. إذ بقرار سياسي مستقل يمكنها أن تنهي هذا الاحتقان الذي سيكلف الوطن غاليا، إذ ما استمرت في تطبيق سياسات مملاة من طرف الصناديق الدولية المانحة، في طليعتهم البك الدولي. فتسليع الخدمات العمومية من صحة وتعليم ليس من شأنه إلا أن يخلق المزيد من البؤس والبؤساء. وتهديد السلم والأمن الاجتماعي للشعوب الخاضعة لهذه السياسات .

الاستاذ بلال داود

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة