تساءل الكثيرون عن مدى قانونية القرار الذي اتخذته الحكومة، والقاضي بفرض جواز التلقيح من أجل السماح للمواطنين بالتنقل بين مختلف عمالات وأقاليم المملكة ، وحتى ولوج الإدارات العمومية والشبه عمومية والخاصة والمؤسسات الفندقية والسياحية والمطاعم والمقاهي وقاعات الرياضة والحمامات.
وإقتسمت الآراء وإختلفت بخصوص هذا الإحراء الذي ثم تمريره في إطار المرسومين بمثابة قانون المنظمين لحالة الطوارئ الصحية السارية المفعول بعد تمديدها لفترات مختلفة .
و يعيب البعض على أن قرار الحكومة يفتقد الى الأساس والسند القانوني ويعتبرونه نوعا من الممارسة اللاقانونية وغير السليمة ، ممايفقده الشرعية .
كما يرى فريق آخر ، أن ذات القرار ضرب عرض الحائط التوابت الدستورية التي لا تقبل المساومة، كما أنه يؤكد إرتجالية وعشوائية الحكومة في التعامل مع الجائحة، خاصة أن فرض إجبارية التلقيح فيه مس بالحريه الشخصية وأن كل شخص غير مجبر على إدخال مواد إلى جسمه غير مقتنع بجدواها صحيا .
ويتمسك اصحاب الموقف الأخير بأن فرض جواز التلقيح يتعارض مع المقتضيات الواردة عن منظمة الصحة العالمية، التي تؤكد على الطابع الاختياري للتلقيح.
ويذهب رأي ثالت الى الإجماع بأن قرار منح جواز أخد جرعات اللقاح يجعل المواطنين أمام حالة تمييز وإقصاء ممنهج في حق مواطنين آخرين مارسوا قناعاتهم بكل حرية.
غير أننا و إحتراما لمختلف الآراء السابقة وللحق في الإختلاف ، كما يمكن القول أن من حسنات جواز التلقيح أنه يشكل عنصر حماية للفئات غير الملقحة ، غير أن فرضه عبر قرار إنفرادي لم يراعي أدنى قواعد النقاش العمومي ،كما أنه يشكل تجاوزا غير مسبوق للمؤسسة التشريعية التي منحت الحكومة الثقة لمباشرة أعمالها .
فضلا على ما أصبحث تتداوله بعض وسائل التواصل الاجتماعي من صور وتسجيلات في فضاءات عامة تبين الشطط والحيف في تنفيد القانون وفي طلب المواطنين بالادلاء بجواز التلقيح ، أمر لا يشرف البلاد و ما حققته على المستوى الحقوقي والديمقراطي ،أمام ما تعرفه من هجمات من الجار القريب قبل الغريب البعيد ، الأمر الذي يدعونا جميعا الى تقوية وتوحيد الجبهة الداخلية .
وإسترسالا و بحسب الإحصائيات المتعلقة بالتطعيم، فإن الفئات العمرية من 18 عاما إلى 40 عاما، تعد أقل الفئات إقبالا على مراكز التلقيح. وفي هذا السياق يؤكد عضو اللجنة العلمية للتلقيح أن المغاربة لا يمكن أن يظلوا رهينة فئة لا ترغب في حماية نفسها عبر أخذ اللقاح المضاد لكوفيد 19، في وقت نجد فيه انفسنا أمام مسار عسير لتحقيق مناعة جماعية ضد هذا الوباء ، فضلا على انه من زاوية مقابلة فإن إقرار جواز التلقيح من شأنه أن يحث الفئات المذكورة على التطعيم ، وهذا ما أبانت عليه الساعات الاولى من فرض القرار .
كما أنه علينا ألا نتغافل على أنه من النتائج المترتبة عن إلزامية جواز التلقيح، هو إقرار لإجبارية اللقاح نفسه، مما ينتج عنه تحمل الدولة التبعات المتعلقة بالتعويض عن المضاعفات و الأضرار التي قد تصيب الغير جراء تلقي جرعات اللقاح .
إن إثارة هذا النقاش ، لا يعني الدعوة لمقاومة إجراءات الحكومة ، ولكن لضمان التنفيذ السليم لهذه الإجراءات حماية للصحة العامة في إطار إحترام سمو القواعد القانونية ، وخضوع الجميع لسلطة القانون طبقا للفصل السادس من دستور البلاد .
كما أن التضارب بين حتمية الظرف و ضرورة الخضوع للقانون الذي يجسد عقد اجتماعي ، يجعلنا نعتقد بجدوى مسايرة المرحلة وما تمليه المصلحة العامة المتمثلة في حفظ الصحة العامة، ومنه أيضا وجوبية تحريك الماكينة التشريعية ، لإخراج قوانين تواكب الظرفية ، كي لا نزيغ عن مسار اكتساب المناعة الجماعية وطي صفحة كوفيد 19 ، كما طويت قبله صفحات أمراض معدية وخطيرة يشهد بها تاريخ الأوبئة بالمغرب والعالم .
ذ / الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.
عذراً التعليقات مغلقة