إن اللحظة التي تشتد فيها الأزمات سياسية أو اجتماعية أو إقتصادية أو صحية ،نحتاج فيها لمواقف حازمة هذا الأمر يستدعي وعيا فكريا متقدما لا يحتاج لقمع أو عنف لكي يلتزم بموقف أو قرار يخدم مصلحته بالضرورة ،فهو تلقائيا يمارس الإلزام الذاتي،هنا مربط الفرس،فالوعي يبنى على مسار زمني طويل يأخذ سنين من العمل المتواصل والدقيق والمتفاني والمؤسس على المعارف والثراث العلمي الحضاري،والإنفتاح على التجارب الإنسانية الرائدة ،والتى حققت نجاحات في تقدمها كدولة أو اتحاد،لهذا وجب أخذ التحليل على محمل الجد والوضوح والنقد البناء،في هذا المحك الذي نحن عالقين فيه .
جائحة كورونا تفرض تعاملا خاصا واحتياطات دقيقة،ومنها وضع الطوارئ،هل يمكن أن نساؤل أنفسنا ومسؤولينا،ماذا أعددنا لمثل هذه الحالات والأزمات؟ أي إنسان أو مواطن أعدادنا ؟أي قيم وأخلاق نشرنا؟هل حاربنا فزاعات التفاهة وأعطينا القيمة الكبرى للعارفين وللعلم والمعلمين والمدرسة؟هل أفسح المجال لمن يمتلكون أفكارا خلاقة وإختراعات؟أم كان مصيرهم الهجرة الإضطرارية؟هل حاربنا الأمية والجهل وإنتاجات الفنية والثقافية الرديئة؟هل كان الرهان دائما على خلق جيل جديد أكثر وعيا وتطورا؟مع العلم هذه التساؤلات وجب التأمل فيها بناءا أنه لم نعش مرحلة إستعمارية طويلة ،ونسبة الشباب من الإستقلال الى الآن هي الأكثر عددا.
لدينا ظروف مناخية متميزة،وموقع جغرافي استراتيجي بشهادة الخبراء،ونملك ثرواث طبيعية متنوعة لا داعي لتفصيل،فيها،لذا لن نأتي إلى حدود 2020ونقول هناك جهال ورعاع الناس التي لا تتجاوب مع حالة الطوارئ،لا تصدروا أحكاما سابقة لأوانها ،ففئة عريضة من هؤلاء من اعتبرو جهالا لم تصلهم حقوقهم كما يجب،يعيشون في أحزمة الفقر والهشاشة ،وقهرتهم الوعود السياسية الكاذبة،دون محاسبة لمن كذبوا عليهم وتلاعبو بمصيرهم لسنوات،أنهم فاقدو الثقة في المواطنة،جزء كبير منهم يلقون بأنفسهم في غياهب البحار،كطعم سهل للقرش هربا من الحكرة والظلم والبحث عن عالم جديد يناديهم.
لماذا لم يقف المجتمع بأكمله مذهولا من تفاصيل الهجرة السرية العلنية في نهاية السنة الفارطة؟ شباب وأطفال في قوارب الموت يصلون الى السواحل الإسبانية،من هؤلاء،أليسوا مغاربة،لذا وجب أن نتريث في إصدار الأحكام ،ولا داعي للإستخفاف لأنه من يشخص السلوكات والتصرفات ينطلق من ذاته وموقعه الإجتماعي وظروف محيطه وعلاقاته الإجتماعية والمهنية،هذا المجال جعله يكون تصورات،ومواقف،لذا فالعديد لا يعرف كيف يفكر المياوم الذي يشتغل يومين وأسبوع يعيشه على إيقاع السلف لإطعام أسرته الصغيرة،لا يمتلك حماية صحية أو إجتماعية،لا نمتلك معطيات دقيقة على ما يسمى أمنيا بالنقط السوداء،ولماذا أصبحت نقط سوداء.
مثلا لماذا انتقل الحي المحمدي في الدار البيضاء من حي بهيج يعج باللقاءات الفكرية ،والندوات العلمية،والتكوينات المسرحية ،والإبداعات الفنية الراقية،ماذا وقع؟لا يحق لنا أن نأتي اليوم ونقول جهال وهمجييين في رقعة في المغرب دون أن نكون موضوعيين ،ونتساؤل من يتحمل المسؤولية؟أنا هنا لا أجد للناس تبريرات،ولا أدافع على أحد،أنا هنا أنظر من زاوية موضوعية لها سند تاريخي وعلمي وسوسيولوجي،من ساهم أو تعمد سياسيا في تصريف التجهيل؟لذا ما يقع اليوم هو نتاج ما أنجز البارحة،أفيقو من الكلام الفارغ والمقارنات الغير العادلة،بين من تلقوا تعليما مثينا ،يتضمن جميع الشروط الحديثة،ومن تلقوا تعليما في أقسام تشبه الزنازن،من يصل الى المدرسة في ثلاث دقائق،ومن يدركها بعد ساعات من المسير الشاق وهو أو هي مازالوا مجرد براعم،اليوم ستتدخل العديد من الأفواه،لممارسة النصح والنقد اللاذع ،لكن أين كنا مسؤولين ومواطنين؟
عندما تخبرنا البحوث المنجزة في العلوم الإنسانية،أننا في حالة خطيرة من انهيار القيم والأخلاق،أو بالأحرى موت القيم والأخلاق،من جاءه الفزع ،من تخوف،وجب أن نقف على قدم وساق ومؤشرات الأزمة تمتلث بشكل صارخ في ثقافة البوز،فيديوهات تافهة تحقق مشاهدة مخيفة،جرأة مغربيات يبعن مؤخراتهن من أجل روتين دراهم اليوتوب،جاهلين وجاهلات،يحللن ويقدم أراء،في الدين السياسة،ويساوون بين عمل الطبيب وعمل الراقصة،العديد من يدعي الوعي والثقافة،ساهم جزئيا أو كليا في استمرار نشر التفاهة ،لن نأتي اليوم،ونقوم بلطم الخذ ،ونبكي ونسخط،لا تتعبوا أنفسكم،فالحقيقة لا يمكن إخفاءها فهي بينة بذاتها،اللحظة التاريخية تتطلب إعادة النظر في المسار الإجتماعي الذي نسير فيه.
عجبا لبعض إعلاميينا اليوم ينتقدون ويسخطون،والبارحة يستقبلون تافيهين وتافهات يفتون ويحللون ويحرمون وينصحون الأمة،كأن المجتمع ليس فيه علماء وباحثين ومثقفين أشراف،انظرو ما مساحة البرامج الثقافية الهادفة ؟ يا أيها الناس لا تنافقوا أنفسكم فأغلبية العامة التي ستلتزم بالموقف العمومي ليست واعية بل خائفة،أما الأحياء النموذجية للطبقة المتوسطة،أو الأحياء الفارهة لا تقارنوا رجاءا،واستغرب كل الإستغراب أن هناك أسر تسكن الكهوف ،أسر تسكن الشارع،شعار دخل لدارك،والذين لا دار لهم لا منزل لهم،أين سيقطنون ،سيهاجرون إلى المريخ.
لا تحاسبوا أفعال ،فهي عقلية،منظومة فكرية،تطورت واقتاتت من ما يقدم لها،,إسئلوا المواطنين،ماذا تعني لهم المواطنة؟لا تفتحوا أفواهكم عبثا،وتصدروا أحكام ظالمة من يستحقون التوبيخ،هم من أهملوا ثراثنا العلمي والحضاري،وبخسوا الثقافة، وهمشو المدرسة ،وحطو من قيمة المعلم وتركوه للتنكيث والفقر،بأجر غاية في السخرية،وجب السخط على من إقتاتو على المال العام،من قدموا شعارات ووعود وهمية،فقط لقضاء مصالحهم الخاصة،التاريخ لا يكذب بل يفضح،كورونا جائحة فضحت واقعنا ووعينا،نعيش مهزلة الوعي بكل مقاييس،من تكلم وانتفض في وجه المهرجانات التافهة؟ لا تأتوا اليوم وتقدموا أنفسكم أساتذة الوعي والتقدم،فالبارحة أي التاريخ يشهد بدلائله على من انتصر للمهزلة ومن يدافع عن الوعي الحقيقي،لا تنصبو أنفسكم تم الحقيقي،لا تنصبو أنفسكم تماثيل وأصنام الفهم والتحليل،فأنتم تخاطبون النتائج المحصلة لسنوات مضت،سنرى ماذا ستفعلون بعد كرونا،أستعود حليمة لعادتها القديمة! الوعي ليس صناعة لحظية،بل تدبير حكيم ،أساسه بناء الإنسان،ماهو قائم أمامنا هو ما صنعت أيدينا كمجتمع كدولة…
بحرقة الغيرة على المجتمع،أتمنى وأنا فاقد الأمل في مسؤولينا،أتمنى تغير الطريقة والصيغة،بشعار بناء الإنسان واستهدافه بدءا من القطاعات الحساسىة التعليم الصحة العدالة،وأقول إستهداف حقيقي للرقي وليس إستهداف لتخفيف الميزانيات وإغراق الأسر،أقول تشجيع البحث العلمي ،افتحو أبواب التكوين في الماستر والدكتوراه ،وكفانا الحصر الذي لم نجني منه الى الكراهية والحقد على الوطن،،لكن لا تنسوا أن هناك من يستفيد ويكبر ويتجبر في الماء العكر الوعي ليس في مصلحته لأنه سينفضح وتكشف أساليبه.
فهناك من يتخوف وبشدة من الوعي لأنه جبار ويخلق زلازل للتغير والتقدم،الوعي قوة رهيبة،لذا لا تطلبوا الوعي في الأزمة وتهجروه وتقتلوه في غيابها،الوعي مسيرة صعبة،وبناءه يتطلب الوضوح والعدل والمصداقية،ويستدعي الحقيقة ،وهيهات هيهات ما الحقيقة؟!،فهناك من يقتلها كل يوم… بقى فدارك الله غالب…
ذ.رشيد بونجيم
عذراً التعليقات مغلقة