يقول الدكتور “ادريس أوهلال” في كتابه “الانفجار العظيم، زمن النهايات”: (انتهت السياسة وبلغ نظام التفاهة السياسية نهايته وأصبحت الدجاجة السياسية تضع بيضة سياسية فاسدة والبيضة تعطي رغم ذلك دجاجة لكن فاسدة أيضا والتي ستضع بيضة فاسدة في دورات الفساد السياسي المقرف الذي يتسم بالرداءة والانحطاط وضعف الأداء على كل المستويات). انتهى قول المؤلف
هذه النهاية المقرفة للسياسة، والتي أنذر بوقوعها الدكتور “أوهلال” هي ما نشاهده في بلادنا للأسف الشديد من قتل للعمل السياسي الجاد بتسلط مجموعة من المرتزقين التافهين على العمل السياسي، مسنودين من قوى التحكم التي تعمل على ترويض الفاعلين السياسيين، لتكون النتيجة افساد للعمل السياسي وافراغه من محتواه، ونجد ذلك في مظاهر عديدة عشناها في الآونة الأخيرة، ومنها:
1 – افساد الديمقراطية السياسية:
الديمقراطية السياسية تم طعنها برمح بتار منذ 2016، عندما نزل امبراطور المال، أو بالأحرى تم انزاله، على طائر الحمام المكسور الجناح بفعل ضربات الديمقراطيين الموجعة، أنزل هذا الامبراطور ليداوي جرح الحمام الوديع، جاعلا غذاءه حبات السنبلة التي لا تقول لا أبدا، ومستعينا بخدمات الحصان الوديع. ولم يكتف بذلك، اذ أخضع الوردة الذابلة التي كانت يوما ما فواحة بأريج عطرها الفواح الذي يملأ الآفاق، وتستنشقه القوات الشعبية في داخل المغرب وخارجه، فاذا بها تصير هشيما يدوسه الحمام بأرجله، ليفسد في الأرض ويهلك الحرث والزرع في سنوات خمس عجاف، انتهت بموت الديمقراطية ودفنها في واقعة 08 شتنبر البئيسة.
2 – ابعاد القيادات السياسية لصالح التافهين:
بعد واقعة 08 شتنبر، تم افراغ المواقع السياسية من القيادات السياسية من أصحاب المشاريع المتكاملة والمواقف الواضحة والمبادرات الشجاعة، وذوي الخطاب السياسي الواضح، ليملأها مجموعة من التافهين والأغبياء العاجزين عن الكلام كما الفعل، لا يصلحون الا للركوب والزينة، تاركين الساحة السياسية صماء بكما، الا من أقوال وأعمال التفاهة التي تملأ الآفاق، مما يعزز الاستنتاج بأن السياسة تتجه نحو الهاوية.
3 – غياب الفكر والخطاب لصالح الاستعراضات البهلوانية:
أصبح الخطاب السياسي لما بعد 08 شتنبر مبتذلا والقيادات السياسية التي أفرزتها هذه الواقعة تفتقد الى الكاريزما والمصداقية، مما يفسر هروبها من مواجهة الجماهير مباشرة أو عبر شاشات التلفزيون، أو المؤسسات الدستورية، وتختار كبديل لذلك بعض اللقاءات الاستعراضية المدفوعة الأجر المهيأة بإحكام سيناريوها واخراجا وتمثيلا، وغالبا ما تخرج منها بكوارث كلامية تعود عليها بعكس ما أرادته وخططت له.
4 – غياب المصلحة العامة لصالح المصالح الشخصية الضيقة:
أضحت الممارسة السياسية لما بعد 08 شتنبر مجالا للاغتناء ومراكمة الثروة، أو على الأقل العبث بالممتلكات العامة والمال العام لتلبية نزوات النفوس المريضة، كالتسابق نحو كراء وشراء السيارات الفاخرة من المال العام على حساب التنمية الحقيقية التي هي حق لجميع المواطنين، أو السباق مع الزمن من أجل توظيف الأقارب والأزواج والأبناء، واعلاء صوت الزبونية والمحسوبية على صوت الحق في الولوج للخدمات العمومية.
5 – ماذا بقي من السياسة إذا؟
ماذا بقي من السياسة بعد كل الذي ذكر، وما خفي منه أكبر وأفظع، إذا غير جانبها المظلم والمتمثل في الزبونية والمحسوبية والابتزاز والعبث بالمال العام لصالح مصالح شخصية ضيقة.
ماذا بقي من المجالس الجماعية غير الارتجالية وغياب الرؤى؟ ماذا بقي من البرلمان غير الاسفاف والابتذال، وتبخيس وتشويه العمل السياسي بخطابات وأفعال يندى لها الجبين؟ ماذا بقي من الحكومة غير الصم والبكم والهروب من الانتظارات الكبرى للمواطنين، وتركهم فريسة لجشع لوبيات المحروقات التي أضحى لرئيس الحكومة فيها النصيب الأوفر.
أفلا نقول بعد هذا أننا نعيش زمنا تعيش فيه السياسة أيامها الأخيرة ان لم يتم تداركها، وانقاذها مما هي فيه من بهدلة وتبخيس قد ينتهي بها المطاف الى الموت.
عذراً التعليقات مغلقة